٢٩

9.3K 183 37
                                    

في مكان جديد اول مره تخطو اليه خطواتنا .. بين بيوت الطين المتشققه .. والاضواء المكسوره .. والابواب المائلة .. بين الريح التي تحرك ستائر الشبابيك المُمزقة .. بين قصص الاطفال .. وحكاوي المسنين .. وامال الايتام .. عند منعطف الحياة .. وبجانبها لوحة كتب عليها "لو بعتوا القضية حنا بنشتريها " وبين اساطير الزمن .. وكان يا مكان .. في مسرى رسول الله .. عند زيتون فلسطين .. وكنافة نابليسية .. وبين مفاتيح بيوت الضفة التي طردنا منها مُغرمين .. وبين صراخات والهتافات والاقوال .. صوت بعيد .. من اعلى بيوت الطين .. ندأ يهمس .. بين الطرقات .. عاشت عاشت فلسطين والقدس حُرة حُرة ..
-
تجلس في الارضية ويتدلى شعرها الاشقر المضيء مثل شعاع الشمس من خلفها ، عينان زيتونية مثل زيتون فلسطين .. وقطعه توت تشكلت على فمها .. نحاسية بيضاء البشرة تظن انه من فرطها ستنعكس صورتك عليها .. قطعه من القمر بل هي القمر ..!
امام التلفاز القديم الذي يعرض مسلسل كرتوني عنوانه "حكايات ماحلاها" وعلى قصة بائعة الكبريت التي تركض بين جدتها .. مندمجة تلك الفتاة ذات ١٧ عمراً وهي تتأمل القصة بحماس وفوق جسدها ثوب مهتريه قديم دليل حياة الفقر التي تعيشها .. يتدلى من بين نحرها خيط اسود معلق عليه مفتاح .. مفتاح بيتهم في الضفة ، لان كل فلسطيني يطلع من بيته مرغوم بياخذ معه مفتاح بيته لانه يبقى عنده امل انه يرجع لبلاده مره ثانيه ..
قطع اندماجها ولهفتها لقصة بائعة الكبريت زوجة عمها التي تكرهه كثيرًا وهي تسحب سلك التلفزيون وتغلقه بقوه وتبدأ بصراخ : الله لا يوفقك لساتك بتتفرجي وتاركه المسابيح مابعتيها ! ولك ان شاء الله بتلحقي اخوكي وبرتاح منك ، قومي قومي يالله !
وقفت بفزع وهي تمشي وتحمل المسابيح بيدها ويدها الثانيه تحمل قفص الطيور الي بداخله عصفورين اصحابها الوحيدين بهذي الدنيا ومشت وهي تنطق بخوف : لسى ماذن عمتي اتركيني شوي
وقبل ماترفع عمتها عديمه القلب يدها لضربها مشت بعجله وهي تطلع من البيت وافكارها كلها لنهاية بائعة الكبريت وش كانت ؟ ومشت وبين اناملها طيورها وهي تهمس لها : وانتو يا طيور ماخذ تفكيركم النهاية ولك الله لا يوفقها شو هالوقاحة الي فيها كل يوم بتزيد عن ألي إبليها "قبلها" واقتربت من الطير الي لونه اصفر وكان اسمه "شمس" ام الثاني كان ازرق واسمه "بحر" ودخلت يدها وهي تحركها ليطلع الطير عليها بمداعبه من شدة علاقتها القوية معها ..
والتفت لرجل الي امامها ورفعت المسابيح وبابتسامه مشرقه في ملامحها العذبة والزاهية : عمو خدلك من هي بتاخذ فيها اجر للاخرة
اتسعت ابتسامته من الفتاة فائقه الجمال امامه ومد يدينه ياخذه واكمل : بكم هذي يا بنتي
زادت علامة الفرح فيها وهي تنطق : خمسة
وبالفعل اعطاها المال وهو ياخذ مسبحتين وحده له ووحده اخذها من فرط عذوبة البنت الي قدامه ..
واكملت خطواتها وهي تعرض مسابيحها للبيع امام المارين ..

عند إياد الي بين ايديه ارنب ابيض يفحصه بابتسامة ثم التفت لراعيه : بسيطه دواء بس ويطيب ..
وشرح له استعماله وكتبه وصفه له وغادر المكان ..
وقف وهو يغلق عيادته وياخذ جواله وماشي باتجاه المسجد لصلاة وهو يتصل بغيث ويحدثه وبضحكة نطق : وانت مالقيت الا هالقضية تمسكها والله واضح انه لازم تغسل يدك منهم مهابيل ذيلا مب بشر
تراكمت ضحكات غيث الي اردف : وش مهابيل ذيلا جن بس والله معجب فيهم وفي سرقتهم زعيمهم تقول روبن هود يسرق من هنا ويتصدق من هنا
زاد ضحك إياد الي رد عليه ب : لا هذا ماينسجن هذا حرامي محترم نحتاج منه بذا الزمن
وانهى اتصاله وهو يودعه وخطواته باتجاه المسجد .. توقفت خطواته وقت سمح همس عذب كثير الانوثة والبراءة ينطق ب : دخيلك بدك من هي ؟ اجر دنيا وللاخرة ؟
التفت لها وسهى بخياله وتنح فيها بهدوء ولون شعرها والي تظن انه من اشعة الشمس اخذ لونه ولون عيناها الي تطلع على جنات النعيم.. وعذوبتها الطاهرة النقية ..
"رأيتُ الشعر في عينيكِ يكتُبني
‏فصار الحُب قافيتي و أوزاني.."
وابتسم وهو ينطق بين ابتسامته : وبكم هي ؟
رفعت يدينها وهي تشير بالخمسه الاصابه من اناملها وبابتسامة : بخمسِة
زاد ابتسامته وهو ياخذ كل المسابيح الي بيدها ويعطيها ضعف المبلغ وقت اجحظت عيناها بصدمه وهمست : بس كتير هيك !
وزاد ابتسامته وهو ينطق وعينه تتأملها وبكذب لانه مايبي يحرجها : ماعندي صرف للمبلغ خذيه كله
التفت للحقيبه المرميه بكتفها وفتحتها تدور صرف له واغلقتها بخيبه وقت همست : فش مصاري "مافي فلوس"
عقد حواجبه من الكلمه الي نطقتها بس قدر يخمن معناها من نظرات الخيبة الي بجنة عيونها ونطق بابتسامة : فداك كلها ، وش اسمك يا بنيّة ؟
زادت ابتسامتها وهي ترفع قفص الطيور بيد وتخبي فلوسها بيد ثانيه ونطقت بين زهر خديها ولمعان عيناها قبل ماتمشي ويمشي هو للمسجد لانهم قامو الصلاة  :
قدس اسمي قدس ..
ومشت بهدوء والفرحة مو سيعتها وتركت بقلبه قدس مادخلها محتل ولا تجرأ ..

جريمة على ساحة خصرها !Where stories live. Discover now