💜الطيف الأول💜

13.5K 232 20
                                    


الطيف الأول
=====
_لماذا تصرخين هكذا؟!
هتف بها عاصي بقلق وهو يندفع نحو غرفة الصغيرين حيث كانت نور تصرخ بغضب غريب على طبيعتها الهادئة فيما وقف ضياء جوارها عاقداً ساعديه أمام صدره بينما الصغيرة تهتف بقهر طفولي:
_ضياء أفسد لوحتي ...وألقى علبة ألواني من النافذة .
عقد عاصي حاجبيه وهو يرى اللوحة التي رسمتها ابنته قد مزقت إلى نصفين فالتفت نحو ابنه بنظرة متسائلة ليهتف الأخير بطبيعته المسيطرة:

_طلبت منها اللعب معي فرفضت ...الآن لن يشغلها عني شيء .
عنفه عاصي بكلمات زاجرة وقد توعده بعقاب صارم فخرج الصغير عدواً من الغرفة ....
بينما تقدم عاصي من ابنته ليحملها ويضمها إليه ثم جمع نصفي اللوحة ليضعهما متجاورين قائلاً باعتزاز:
_كم تجيدين الرسم!
ابتسمت الصغيرة لهذا الإطراء وقد بدت وكأنها نسيت أن اللوحة مقطوعة فمسحت دموعها لتحتضنه بدورها عندما سمعا صوت ماسة خلفهما تقول بحنان:
_خطوطها قوية كأبيها ...
_وألوانها دافئة كأمها !

قالها عاصي وهو يلتفت نحوها ولازال يحمل صغيرته ...
غابات الزيتون في عينيه تتوهج بحنان عاطفته...مع معنى جديد غاب كثيراً عن
عالمه...معنى "الرضا"!
ابتسمت ماسة وهي تداعب شعر الصغيرة لتقول لها مواسية:
_ضياء يغار عليكِ...أنتِ صديقته الوحيدة هنا ...لهذا يجن جنونه عندما يراكِ مشغولةً عنه ...
ثم رمقت عاصي بنظرة جانبية ذات مغزى لتردف:
_ستكبرين وتدركين أن هناك نوعاً خاصاً من قلوب الرجال يعشق التملك ولا يقبلون في قلوب أحبتهم شركاء!

فابتسم عاصي ابتسامته الرصينة وهو يفهم ما ترمي إليه ليقول لماسة ببطء ضاغطاً على حروف كلماته:
_ربما لهذا السبب بالذات لن أعاقبه...إذا الحب تملك قلوب الرجال فمن ذا الذي يرضى بالشريك؟!
اتسعت ابتسامة ماسة وهي تتذكر آخر مرة زارها فهد هنا ...لم تكن قد رأته منذ وقت بعيد لهذا ما كاد يلقاها بعبارته الأثيرة "حبيبة أخيكِ" حتى وجدت نفسها ترتمي بين ذراعيه كي تشبع نفسها من عاطفة افتقدتها طويلاً ...
هذا الذي لم يتفهمه عاصي وقتها وغابات الزيتون في عينيه تشتعل بحرقة غيرة أن وجدت روحها ملاذاً على صدر غيره !

لقد قضت بعدها بضعة أيام تسترضيه حتى أنها عاهدت نفسها ألا تفعلها أمامه مرة أخرى .
لهذا مالت على كتفه بشفتيها بقبلة عميقة قبل أن ترفع عينيها إليه هامسة :
_عندما يعشق سيد الأضداد فلا مجال لمنطق ولا جدوى لتقييم...كل ما في حبه شديد التطرف ...كأنه عالم بكر لم تطؤه قبلي قدم بشر!
نقلت الصغيرة بصرها بينهما وهي لا تفهم شيئاً من همسهما هذا ...لتقول أخيراً بطيبتها المعهودة :
_أين ضياء؟!
_في وكره السري المعتاد الذي يختبئ فيه عندما يريد اعتزال العالم...تحت طاولة الطعام .
قالتها ماسة ضاحكة فابتسم عاصي وهو يقبل جبين ابنته بينما يزيح خصلات شعرها خلف أذنها هامساً بحنان:
_لن أصالحه حتى يصالحك .
قبلت الصغيرة وجنته فتحرك بها ليضعها في فراشها ثم رفع عليها غطاءها قائلاً:
_قد آن ميعاد نومك ...لا تحزني ...غداً أعد لكِ مفاجأة ترضيكِ.
ابتسمت نور برضا وهي تغمض عينيها ثم فتحتهما لتسأله ببراءة:
_وضياء؟! ألن ينام؟!
لكن عاصي قال بحزم:
_دعيه وحده حتى يدرك خطأه ويصلحه .
ظهر الأسف على وجه الصغيرة لكنها أطاعته كعادتها لتستسلم للنوم بينما خرج عاصي وماسة من الغرفة نحو غرفتهما حيث تمدد هو على فراشه ...
بينما وقفت ماسة خلف الباب الموارب تراقب الصغير لدقائق طالت نوعاً ثم ابتسمت وهي تغلق الباب أخيراً لتتوجه نحو عاصي قائلة :
_تدري ماذا فعل ابنك؟!
التمعت عيناه وهو يشبك ذراعيه خلف رأسه قائلاً بثقة:
_دعيني أخمن...غادر مخبأه عقب شعوره بأننا هنا ...ثم توجه لغرفتهما ووضع لشقيقته علبة ألوانه هو الخاصة عوضاً عن علبتها التي ألقاها من النافذة ثم احتضنها وقبّلها قبل أن ينام .
ضحكت ضحكة رائقة وهي تتمدد جواره على الفراش لتلقي برأسها على صدره قائلة:

من يعيد قوس قزح (الجزء 2 من سلسلة وهل للرماد حياة) لِـ"نرمين نحمد الله"Where stories live. Discover now