🧡الطيف الثالث والأربعون🧡

4.1K 200 10
                                    


الطيف الثالث والأربعون

=========

_علمت ما حدث لإياد؟!
تهتف بها بتول بانفعال وهي تدخل عليه بهو البيت لتراه جالساَ مكانه على منضدته.. يواجه الحائط كعهده كلما أراد التفكير العميق.. وأمامه رقعة شطرنج ارتصت فوقها القطع.. يلاعب نفسه كالعادة لأنه لا يجد منافساً أذكى!

_هذا سؤال؟!

نبرته الباردة تبدو لها شديدة الخطورة ..ورغم أنه لم ينظر إليها لكنها شعرت بعينيه تخترقان روحها تغرسان داخلها جبالاً من جليد..
يحرك إحدى القطع ليبتسم بظفر وهو يتقمص شخصية المنافس الوهمي فيزيح قطعة من فريقه هو!
تبدو خسارة له..
"تبدو"!
لكنه وحده يعلم أنها ليست كذلك!
هو يجيد دوماَ تحويل الهزيمة لنصر!

_أرجوك.. دعني أفهم.

تقولها بصوت مرتجف وهي تقترب أكثر.. تبسط كفاَ بارداً على كتفه فيتأوه باستمتاع وهو يعيد رأسه للوراء مغمضاَ عينيه في دعوة صامتة لبتها بخبرتها وهي تجلس على ساقيه لتدلك كتفيه..

_يقولون أن أحدهم دس له بعض الأشياء في بيته.. قطع أثرية لا يعرفون إن كانت حقيقية أم مزيفة.. وبعض المواد المخدرة..

يقولها ببرود لتشهق هاتفة :
_من فعلها؟!
_أنا!
يفتح بها عينيه فجأة لتصعقها نظرته القاسية.. ترتد للخلف دون إرادة وأناملها تتراجع عن كتفيه لكنه يعيدها مكانها بغلظة وهو يردف بنفس البرود المشتعل:
_وجهه احترق! كنت أعلم منذ طلبت منه الاستعانة بأخيه كي يسرق تلك السورية أن تحرياتهم قد تقود إليه.. لهذا تعمدت أن أجعلك تغوين أخاه الآخر كي أضغط علي نقطة ضعف تجعل الحلقة تنقطع عنده فلا تعود للدوران أبداً.. أنا ألقيت لهم الطُعم الزائف بمهارة تليق بي وهم تلقفوه بحماقة تليق بهم..
تزدرد ريقها بتوتر وهي تهمس بخفوت:
_لكنني.. لم أنجح.. أقصد.. مع أخيه..
يهيأ إليها ان ملامحه قد حملت بعض الرقة وهو يربت وجنتها برفق هامساً :
_لا عليك عزيزتي.. أنتِ فعلتِ ما بوسعك.. وأنا دوماَ أمتلك الخطة البديلة.

تلتمع عيناه بعدها بشراسة قاسية تجفلها فتعود لتدلك كتفيه برهبة جعلت جسدها يرتجف وهي تسأله:
_وماذا بعد؟!
يصدر همهمة قصيرة وهو يعاود إغماض عينيه قائلاً :
_أنا سهلت عليهم الطريق ومنحتهم قضية سهلة يفرحون بها.. ضحية مثالية يصوبون نحوها سهامهم..
_وماذا لو اعترف إياد بالحقيقة؟!
تهمس بها بخفوت أكبر لتلتوي شفتاه بابتسامة واهنة وهو يضمها إليه برفق ولا يزال مغمضاَ عينيه:
_ميزتي الكبرى أنني أجيد فهم رجالي.. أعرف من اسود قلبه حد التفحم.. ومن لا يزال يحمل نقطة بيضاء.. ودوري في الحالتين أن أجيد استغلال كل منهما على حده.. إياد لا يزال يحمل بقعة بيضاء كبيرة.. كبيرة جداً في الواقع على أن يحتملها رجل في عالمنا.. نحن ضممناه إلينا لبراعته غير المسبوقة في هندسة الاتصالات والبرمجة.. شأنه كشأن شباب كثيرين هنا لا يفتقرون للمهارة لكن ينقصهم الانتماء.. لا أنكر أنني أشعر نحوه ببعض الحب.. يذكرني بصورة قديمة لنفسي.. قديمة جداً حتي أنني كدت أنساها.. لهذا أعتبرها خدمة له.. أن أركله خارج التنظيم بعدما اكتفينا من خدماته.. سيقضي بعض عمره في السجن.. لكنه سيخرج حراً ذات يوم.. أجل.. أظنها خدمة له فعلاً أن أمنحه الفرصة ليعود للعالم الذي يليق ببقعته البيضاء.
_كلامك يبدو وكأنك.. وكأنك.. نادم على هذه الحياة؟!
تهمس بها بنفس الرهبة ليطلق ضحكة قصيرة متهكمة ولا يزال مغمضاً عينيه بجوابه:
_نادم؟! لا يا عزيزتي.. أنا فقط أعرف أي عالم يليق بصاحبه.. لست ذاك الأحمق الذي يصارع طواحين الهواء.. هناك نوع من البشر لن ينتموا أبداً لعالمنا.. حتى ولو دخلوه فلن يندمجوا فيه.. وهو منهم!
_وكيف ستضغط عليه؟! بأي نقطة ضعف؟!
تسأله بنفس الرهبة لكنه يتجاهل سؤالها وهو لا يزال يربت على ظهرها برفق كادت تستسلم لما يوحي به بينما يقول بخفوت:
_أنا أتركهم يخططون.. يهيأ إليهم أنهم اختاروا اللعبة ولا يدركون أنني من اختار الملعب! تماماً كما فعلت مع (بشر) ذاك.. لا أنكر أنني تفاجأت بحقيقة عمله متخفياً مع غازي لوقت طويل كحارس شخصي.. لكنني كشفته بعد مقتل الأخير وأرسلت له هدية تليق بمقامه.. لا أظنه سيحيا ليعرف كيف ستنتهي اللعبة.

من يعيد قوس قزح (الجزء 2 من سلسلة وهل للرماد حياة) لِـ"نرمين نحمد الله"Where stories live. Discover now