❤الطيف الواحد والأربعون❤

4.5K 205 25
                                    

الطيف الواحد والأربعون

=========

*بغداد.. العراق..

تعبر استبرق بوابة أشهر المصحات النفسية في بغداد بخطوات واثقة ظاهرياً.. بينما تشعر أن روحها داخلها ترتجف!
هاقد نجحت خطتها كاملة..
وهاهو ذا يحيى - بمساعدة السيد (...) - صار نزيلاً بالمصحة بعدما أجري الكشف عليه ليكتب الأطباء تقاريرهم بشأنه مفيدة بأن "قواه العقلية مختلة!"
هاهي ذي تمضي في قضية الحجر عليه بخطى مضمونة بعد تزويرها تحليل dna الخاص به وبسراب..
وهاهي ذي سراب نفسها قد سافرت مع زوجها (عدي) إلى كندا بعدما أقنعت هي الأخير أن يفعل بسرعة إنقاذاً لزواجه منها..
وهاهي ذي شجون تبدو أكثر من شاكرة لها بعدما يبدو لها من مساعدتها لابنتها..
حتى إلياس - على جفوته المستحدثة لها يبدو وكأنه صدقها واستسلم لصدمته في يحيى.. صحيح أنها لا تزال تخشاه لكنها ستحرص أن تختفي عثرته من طريقها قريباً لتكون مؤسسة الأمين كلها في يدها هي..
من بقي ليحيى كي يدعمه؟!
كلهم تركوه.. والآن دورها لتستغل الفرصة وتستعيده..
أجل.. لن تسمح أن تخسره أبداً!

تتوقف خطواتها أمام غرفته التي تزوره فيها لأول مرة فينقبض قلبها لأول وهلة وهي تشعر بوهن أمومي فطري تقتله في مهده وهي ترى طبيبه يقترب..
ترمقه بنظرة ذات مغزى فيهمس بخفوت :
_لا تقلقي.. كل شيء على ما يرام..صار أهدأ.. لم يعد يثور كالسابق.. يبدو وكأنه تقبل الأمر.
تهز رأسها راضية فيردف بتردد :
_تريدين زيارته؟!
_ولماذا تظنني جئت إذن؟!
تكاد تهتف بها بحدة لكنها تكتمها بين شفتيها وهي تجد قدميها رغماً عنها تخونانها بخطوة للخلف..
لا.. لن تستطيع الولوج للداخل.. لن تقوى على مواجهته وحدهما..
لن تقدر!

تهز رأسها نفياَ للحظات فيسبل جفنيه متفهماً لكنها تفاجئه وهي تدخل غرفة يحيى بغتة دون استئذان كأنها تقطع على نفسها طريق التراجع بعدما كرهت في نفسها هذا الضعف.

ترى يحيى واقفاً أمام نافذة غرفته يناظر الباب بلهفة..
لهفة انطفأت وهو يميز ملامحها هي..!
يعطيها ظهره من جديد ليراقب عصفوراً صغيراً حطّ على سياج النافذة، يلاعبه بإصبعه بخفة فلا ينفر العصفور بل يقترب ليمد منقاره نحو راحة يحيى التي حوت كسرة خبز..
فيختلج قلبها بعمق عاطفتها وهي تراه الآن كما كان منذ سنوات..
طفلها الذي يحب العصافير حبه للحرية.. للسماء.. للبحر.. لكل ما لا يعترف بحدود سجن!
هذا الذي كبر الآن.. فكم صار يكرهها وقد صارت مرادفاً لأقسى سجونه؟!

_كرهت رؤيتي؟! انطفأت لهفتك؟! كنت تظنني هي؟!

نبرتها القوية ترتعش رغماً عنها لكنه لا يحرك ساكناً وهو يعاود ملاعبة عصفوره فتقترب أكثر لتشد كتفه نحوها وهي تستخرج من حقيبتها ورقة فضتها أمامه مردفة :
_لا تنتظرها لأنها لن تعود.. هي طلقت نفسها منك بحكم العقد الذي كان بينكما بعد قرار المحكمة بإيداعك هنا.
_كذب! كذب! طيف لا تفعلها أبداً ولو وضعوا السكين على رقبتها!
الإنكار في عينيه ينقلب لصدمة وهو ينتزع منها الورقة لتجري عيناه بسرعة على سطورها قبل أن يغمضهما بقوة والخذلان يرسم سطوره على جبينه..
فتهزه بين ذراعيها قائلة :
_تلك المرأة لا تحبك.. أنا علمت أنها بحثت عن أم مجد حتى وجدتها.. منحتها الكثير من المال لتتنازل لكما عن حضانة الصغيرة ونجحت في إتمام إجراءات تبنيها بصورة رسمية.. ثم عادت بها إلى بلدها لترسل لي صورة من وثيقة الطلاق بعدها.
لا يزال يهز رأسه بالمزيد من الاستنكار فتتناول هاتفها لتريه الصور..
تتسع عيناه بالمزيد من الذهول وهو يرى الصور لمجد مع طيف في المطار.. ثم صورهما معاَ أمام بيت عاصي في الصعيد..
_ما يدريني أن هذه الصور حقيقية؟! أنك لم تزوريها كما زورتِ كل شيء؟!
يهتف بها بانفعال والهاتف يكاد يسقط من بين أنامله المرتجفة لترد بعينين متوهجتين:
_(الفلامنجو عاد يقف على قدم واحدة ولم يعد في حاجتك.. خدعتني مرة واليوم جاء دوري لأرد لك صنيعك).. هذه رسالتها التي بعثتها إليك مع الوثيقة.. لا أفهمها لكنني أظنك تفعل! هل أزوّر هذا أيضاً؟!
يهز رأسه بصدمة وهو يتفلت من بين قبضتيها ليجلس على طرف فراشه.. فتراقب انهياره الصامت بلوعة حقيقية لتجلس جواره.. تربت على ركبته قائلة :
_أفهم كيف تشعر الآن..طيف عادت لبلدها.. سراب هاجرت مع زوجها.. إلياس اضطر لتقبل الأمر وعاد لينهمك في عمله.. كلهم خذلوك..
يرفع إليها عينين غاضبتين مشتعلتين بثورة وشيكة وهو يكاد يحطم أسنانه من فرط انفعاله لكنها تردف بنبرتها القوية :
_وحدي أنا من بقيت لك.. أمك التي لن تتخلى عنك أبداً.
ضحكة ساخرة مكتومة تبدأ قصيرة لتطول بعدها بمرارة لطخت وجهه كله وهو يدور ببصره في المكان حوله كأنه يذكرها بفعلتها..
ضحكة طعنتها في صدر أمومتها وهي تعاود ضم كتفيه بقبضتيها مردفة بانفعال :
_أنت من اضطرتتني لفعل هذا.. كان هو الحل الوحيد أمامي.. لكن لا يزال كل هذا قابلاً للإصلاح.
تضيق عيناه بتساؤل فتأخذ نفساً عميقاً لتلقي أوراقها كاملة :
_دع الماضي وشأنه.. وعد لي ابني.. ابني فحسب.. ساعتها أفتح لك أبواب الدنيا كلها.. تعود لمؤسسة الأمين لتكون رئيسها.. تعود لبيت الأمين وأزوجك خير نساء البلد.. تعود لحياتك الرغدة القديمة وأكثر!
_ولو رفضت ؟!
يقولها بعينين داكنتين ليشتد ضغط قبضتيها على كتفيه كجمرتين من نار للحظات ثم تشيح بوجهها بجوابها :
_لا يرفض كل هذا إلا مجنون.. والمجنون مكانه حيث أنت الآن!

من يعيد قوس قزح (الجزء 2 من سلسلة وهل للرماد حياة) لِـ"نرمين نحمد الله"Where stories live. Discover now