💚الطيف الخمسون ج1/الأخير💚

5K 205 27
                                    

الطيف الخمسون (الأخير)
الجزء الأول

*********


*أخضر*

======

_الآن فقط تذكرتِني؟! جئتِ كي تشمتي فيّ؟!
تصرخ بها هيام على فراشها في غرفتها بشقتها مخاطبةً عزة التي قدمت لزيارتها..
صوتها المثير للشفقة -بنبرته غير الواضحة وقد التوى فكها مع الشلل الذي أصاب ذراعها بعد علمها بوفاة فهمي- يوخز قلب عزة التي تكتم دموعها وهي تتقدم نحوها ليهتف راغب بصوت لم يفقده الحزن هيبته:
_اهدئي.. الطبيب حذر من انفعالك.. شقيقتك تتفقدك منذ يوم وفاة المرحوم فهمي وأنت التي ترفضين رؤيتها!

_أخرجها من هنا أو سأخرج أنا! تظنونني صرت عاجزة؟! لا كلمة لي هنا؟!! صرت أسيرة إحسانك عليّ وعلى أولادي بعد موت أبيهم؟! اخرجا معاً لا أحتاج لإحسان أحد!!

تخرج كلمات هيام منفرة كعهدها لكن راغب لا يشعر نحوها سوى بالمزيد من الشفقة بعد مصابها..
فيما تقف عزة مكانها تكاد تحترق بكتمان السر الذي تخفيه عن حقيقة زوج شقيقتها المخزية.. وبمصاب شقيقتها التي صارت مثيرة للشفقة أكثر

تحاول الاقتراب منها لكن هيام تدفعها بذراعها السليم هاتفة :
_لو كنتِ جئت تؤدين واجباَ فها أنتِ قد فعلتِ! لا أريد رؤيتك.. اذهبي.. اذهبي..

لا تزال تهتف بها حتى تشنج وجهها أكثر لتتحول كلماتها لنشيج خافت وهي تحاول رفع ذراعها العاجز دون جدوى فتداري وجهها في طرف وشاحها الأسود بقهر يوجع القلب ويجبر راغب أن يشير لعزة بقوله :
_إذن دعيها الأن حتى تهدأ!

يغادران غرفة هيام لتتوجه نحوهما أم راغب بملامح باكية.. العجوز التي فقدت ابنها الأكبر الطيب - بظنها- في غمضة عين لكنها تبدو صابرة على مصابها وهي تخاطب عزة بقولها :
_لا تؤاخذيها يا ابنتي.. الخبر صدمنا كلنا..
تهز عزة رأسها بكلمات مبهمة فيما تبدو المرأة عاجزة عن التماسك أكثر لتنهار فجأة في البكاء بقولها :
_يا حسرة قلبي عليك يا ابني.. من لأولادك بعدك؟!
لكن راغب يضم المراة لصدره بحنان محاولاً تهدئتها وهو يقاوم غصة حلقه هاتفاً بصوته الرجولي الخشن :
_لا تقولي هذا يا أمي.. أولاد أخي في عنقي لآخر يوم في عمري.. يتربون مع (رُبَى) كإخوتها ويشهد ربي أنني لن أفرق بينهم ما حييت.
_خذني لغرفته يا ابني لعل فيها بعض رائحته. . (المسكين) عاش حياته غريباً ساعياَ وراء لقمة العيش.. عاش علي الهامش ومات على الهامش!

تكاد عزة تنفجر غيظاً وغضباً وهي تحترق بالمزيد من الكتمان.. ترى راغب ينسحب بأمه نحو غرفة فهمي وكلمات المرأة تنعي الفقيد (المسكين) ومن داخل غرفة هيام خلفها تنطلق صرخات الأخيرة تارة تنعي حظها وتارة تسبها هي وتطردها..

_تعالي.

كانت هذه رؤى التي جذبتها من كفها وكأنما تشعر بلوعتها لتنسحب بها مبتعدة نحو المطبخ حيث يمكنهما التحدث بحرية، أغلقت بابه خلفهما ولم تكد تفعل حتى قالت عزة بانفعال:
_سأجن! جنازة حارة والميت كلب! لا أصدق أنني عشت مخدوعة في طبيعته الظاهرة طوال هذه السنوات.. لست وحدي بل كلنا! ليس عدلاً أن يموت وغد مثله هكذا! هكذا ؟! دون أن يفتضح أمره للجميع فيلعنه الغادي والرائح!!
_لم يكن وحده من سيفتضح!
تقولها رؤى بتعقل وهي تربت على كتفيها مهدئة.. ثم تتنهد لتردف بشرود :
_فكرت مثلك كثيراَ.. فكرت حتى أن أصارح راغب على الأقل بحقيقة أخيه المخادع الذي كان يعيش بيننا بوجه غير وجهه المجرم.. فكرت كثيراَ وأنا أراه يعطيني ظهره كل ليلة على فراشنا لتبلل دموعه وسادته حزناً على أخيه (المسكين) الذي قتل ظلماً- كما يظن- أن أخبره بجرائمه.. أن أعلمه ان الرجل الذي عاش يحترف القتل والإرهاب طوال هذه السنوات لم يكن يستحق ميتة رحيمة كهذه بل كان يستحق السلخ حياَ لولا رحمة الله بنا.. بنا كلنا.. كلنا لا نستحق فضيحة كهذه.. لكنني أعود لأفكر.. بعض الجهل رحمة من الله..خير له ان يظن أخاه مات في حادث عن أن يعرف انه كان مجرماَ مات مطارَداً.. فليمت فهمي كما اختار العيش بيننا.. ظلاً مهمشاً منسياً!

من يعيد قوس قزح (الجزء 2 من سلسلة وهل للرماد حياة) لِـ"نرمين نحمد الله"Donde viven las historias. Descúbrelo ahora