🤎الطيف الأربعون🤎

5.1K 227 38
                                    

الطيف الاربعون


_إبراهيم! ماذا فعلت؟! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
يهتف بها ربيع بجزع وهو يميز شقة ابنه الخالية من أثاثها الذي باعه كله منذ أيام بثمن بخس، لكن ما أثار حفيظته هو رائحة الدخان التي انبعثت خانقة من تلك الكومة على الأرض والتي احترقت عن آخرها..

_ثيابها ،وسادتها، ملاءاتها، كلها أحرقتها، ولو استطعت لأحرقتها هاهنا.. هاهنا..
يصرخ بها إبراهيم بحرقة دمعت لها عيناه الحمراوان وهو يخبط بقبضته المضمومة على صدره ليختلج قلب أبيه بلوعة وهو يسمعه يتمتم بشرود بدا وكأنه ابتلعه عن آخره:
_كيف أحرقها هنا؟! كيف؟!
_انسها يا ابني.. انسها واكتفِ بما كان.
يقولها بصوت متهدج وهو الآخر يشعر بالحيرة بين (لوعة فراق من كان يعتبرها ابنته) و(بين غضبه منها) ، ليصرخ إبراهيم بحدة :
_ليس قبل أن آخذ منها حقي.. ليس قبل أن تدفع ثمن خديعتها.. هي جعلتني مغفلاً.. مخدوعاً.. أحمق في عيون الجميع.. وبالنهاية جعلتني قاتلاً.. جعلتني.. جعلتني..أقتل نفساً.. أقتل.. أقتل ابني.

ينهار بها جاثياً على ركبتيه وهو يخفي رأسه بين ذراعيه كأنما استنزف اعترافه الأخير كل قواه..
طوال الأيام السابقة وهو كمن يعدو في طريق طويل بكل قوته لا يريد التوقف لأنه يدرك أنه سيسقط لو فعلها!
لا يريد التفكير.. لا يريد حتى مجرد التذكر.. كأنما محى تاريخهما كله كي لا تجلده الذكرى.. صار يعيش لأجل أن ينتقم منها فحسب.. وهاهو ذا يفعل فقد أُلقي القبض عليها بالأمس بتهمة التزوير في القضية التي رفعها حسام وصارت أخيراً خلف القضبان كما أراد!
متى ستبرد هذه النيران داخله؟! ربما لو نالت حكماً بالسجن..لو فضحت أمام الجميع كما فضحته.. لو خدعها ذكاؤها وجاهها كما خدعته.. لو قتلت نفسها ندماً..!
الخاطر المتطرف الأخير يقبض قلبه بلوعة خوفه عليها..!!
لوعة يكرهها فيطلق صرخة هائلة وهو ينحني على نفسه ليخبط رأسه بالأرض لعل الدوار الذي يدوخ روحه يصيب عقله كذلك قليلاً فيرحمه من كل هذا الشتات..
يصرخ ويصرخ ويصرخ ولا يزال يخبط رأسه بالأرض فلا يوقفه سوى صوت نحيب أبيه!

يقف رغماً عنه مترنحاً والدنيا في عينيه تتلون بلون الدم، يضم أباه إليه معتذراً ومطمئناً بكلمات متلعثمة، يقبل رأسه وهو يشعر بجسده يتذبذب بين صقيع ونار..
_سنكون بخير.. سنكون بخير.. كلنا..بإذن الله سنكون بخير.
تقولها هبة التي وقفت تراقب المشهد بعينين دامعتين وهي الأخرى تشعر أنها فقدت جزءاً من روحها..
لقد ماتت سمرا..!
ماتت في عينيها وعيون الجميع..!
ماتت صديقتها التي ائتمنتها على بيتها وأدق أسرارها..
ماتت أسوأ ميتة وقد حُرمت حتى حق إكرام الميت بدفنه، فقد تركت جثتها في العراء تنهشها ذئاب الظن ويلعنها نعيق الغربان المحلقة فوقها..
قد تجد لها عذراً في إخفاء حقيقتها عن ربيع، بل وعن إبراهيم نفسه، لكن أي عذر في أن تخدعها هي.. هي التي فتحت لها قلبها قبل بيتها واعتبرتها أختها التي لم تلدها أمها؟!!
لهذا رفضت وسترفض أي تواصل معها بعد ما حدث!

من يعيد قوس قزح (الجزء 2 من سلسلة وهل للرماد حياة) لِـ"نرمين نحمد الله"Where stories live. Discover now