🤍الفصل الثاني والأربعون/ج2🤍

4.6K 211 17
                                    

الطيف الثاني والأربعون
الجزء الثاني

*********

_أبي.. أبي..
تهتف بها بين شهقات دموعها التي سقطت على كتفيه وهي تتشبث به.. تخفي وجهها في صدره مردفة :
_أرجوك دعني قليلاً هكذا.. حتى لو كنت جئت غاضباً أو شامتاً.

ينعقد حاجباه بتأثر حقيقي وهو يربت على ظهرها ليقول بحنان لم يخلُ من عتاب :
_معاذ الله.. هل عهدتني هكذا يا "ابنت..."
يقطع الكلمة الأخيرة دون أن يكملها فترفع رأسها إليه لتهتف بهستيريتها المعهودة :
_لماذا لم تكملها؟! أنا ابنتك.. ابنتك.. أنا ابنة ربيع..
تقولها لترفع وجهها لأعلى وهي تغطي وجهها بكفيها..
ماذا لو كان قد أتى قبل دقائق.. دقائق فقط ليراها بمنظرها السابق؟!
تحمد الله سراً وهي تشعر بجمال العطية يمنحها بعض القوة لتردف بدموعها الحارة :
_والله العظيم ما سعيت لشيء منذ سمعتها منك إلا لكيف أستحق شرف كلمة مثلها.. قد أكون كذبت في كل شيء إلا مشاعري نحوكم.. والله العظيم..
تكرر قسمها برجاء يائس ولا تزال تغطي وجهها بكفيها فيزيحهما عن وجهها ليقول بجمود :
_وأنا جئت لأسمع منك.. لم يعد هناك داعٍ لتكذبي عليّ هذه المرة.

لا يزال عتابه يكسو حنان كلماته لتمنحه ابتسامة اعتذار مرتجفة وهي تشير له بالجلوس لكنه يرفض قائلاً ببعض الضيق:
_اعذريني.. لن أستطيع الجلوس.. بل لن أستطيع البقاء طويلاً.. شعوري بدخول هذا البيت يجثم على أنفاسي.. أعلم أنه لا تزر وازرة وزر أخرى لكن..
يقطع عبارته التي أدركت فحواها لتهز رأسها بتفهم وهي تتناول حقيبتها من الجوار..ثم تدعوه للخروج..
يغادران قصر الصباحي ليلتفت نحوها ملاحظاً تمسكها بحشمة حجابها.. لقد توقع وهو يدخل هذا القصر أن يجد من يدعونها "يسرا".. لكنه وجد سمرا!
سمرا ابنته!
فما يعني خلاف الأسماء؟!

يتنفس الصعداء وهو يسير معها مبتعديْن عن المكان لتلف ذراعها حول ذراعه فلا تدري أيهما يسند صاحبه..

_أعترف! القصة بدأت لعبة.. خرجت قبلها من ماضٍ أسود لا أريد أن ألوث أذنيك بسماعه.. أنت فقدت ابناً وتدرك كيف يكون شعور المرء وقتها.. ما بالك لو كنت أنا السبب؟!

يحوقل بصوت مسموع وهو يشعر أن دموعها تزداد حرارة وصدقاً بينما تردف بألم :
_كان الحل الوحيد أمامي أن أنسلخ من جلدي.. ربما أخفف بعض الوجع أو على الأقل أتناساه.. ووجدتكم.. وجدتكم دنيا تفتح لي ذراعيها.. عالماً نقياً يعدني بهوية جديدة.. لم أكن أكذب يا أبي.. كنت أتناسى كي أعيش..

تقولها ثم تبدأ في الحكاية عن ماضيها.. عن زيجاتها الثلاث..
عن وفاة ابنها.. عن مرض أمها.. عن خوفها وقتها من أن يتكرر مسلسل الفقد.. عن شعورها بالحرية بعد وفاة رفعت الصباحي.. عن قسوته ومعاملته لها كسلعة يبيعها لمن يدفع أكثر.. عن ملابسات لقائها الأول بإبراهيم وظنها بوجود علاقة بينه وبين جنة.. وعن كل ما تلا ذلك بعدها.. حتى تنهيه بقولها:
_لم أكن مخادعة.. كنت خائفة.. في كل لحظة كانت تمر ليزداد تعلقي بكم كنت أخشى لحظة الفضيحة والفقد من جديد..
_لكنني منحتك أكثر من فرصة.. كنت أشعر أنك تخبئين سراً.
يقولها عاتباً بانفعال لترد بانفعال مشابه :
_أجل.. منحتني اكثر من فرصة لكنك كنت دوماً تذكر عداءك لهؤلاء الذين يشبهون رفعت الصباحي.. هؤلاء الذين تلوثت أيديهم بدم ابنك وترغب في القصاص منهم.. طوال هذه الأيام وأنا أخاف حين تظهر الحقيقة ألا ترى فيّ سوى المزيد من إرث الصباحي القبيح.. القصاص الذي أتاك بارداً لترد له صنيعه في ابنته فتقتلها كما قتل ابنك..

من يعيد قوس قزح (الجزء 2 من سلسلة وهل للرماد حياة) لِـ"نرمين نحمد الله"Où les histoires vivent. Découvrez maintenant