8

8 4 0
                                    

[وائل]

عندما اقترب موعد الغداء، خرجت من مكتبي كعادتي للقاء شقيقتي ميرنا لنذهب لتناول الطعام معا و في طريقي إلى هناك، رأيت فتاة شاحبة تخرج من العيادة متّجهة نحو المصعد، لكنّها لسببٍ ما توقفت فجأةً في منتصف الرّواق و بقيت ساكنةً للحظات.

مددتُ يدي نحو مقبض باب العيادة أمامي لكنّني عدلت عن الدخول فورا. توجّهت نحو الفتاة لأرى ما بها، كنت خلفها تمامًا عندما كادت تسقط على الأرض، فممدتُ يديّ إليها و أمسكت بها قبل أن تقع.

"يا آنسة، هل أنتِ بخير؟" سألتُ الفتاة الواقفة أمامي دون أن أنظر لوجهها. تقدمت خطوة و وقفت أمامها لكي ألقي نظرة أوضح عليها.

"أنا بخير" قالت بصوت متقطّع بينما كانت يداها ترتجفان بين يديّ.

رفعَت رأسها قليلا بعد أن استجمعت قواها و نظرت إليّ. أُقِرّ أنّ قلبي انتفض بين ضلوعي لحظة التقت عيناها بعينيّ.. لكنها على ما يبدو شعرت بالخجل فوقفت باعتدال و سحبت نفسها للوراء قليلا حتى صارت المسافة بيننا مناسبةً على الصعيدين العَملِيّ و الاجتماعيّ.

."هل تشعرين بتحسن الآن يا آنسة...؟" سألتها مجدّدا بعد أن اعتدلتُ أنا أيضا في وقفتي. لم يكن وجهها مألوفا و قد انتابني الفضول لمعرفة اسمها على الأقل.  نظرتُ إلى الفتاة القصيرة الواقفة أمامي، لقد كانت جميلةً بالفعل و أجمل ما فيها عيناها الغامضتان اللّتان تمكّنتا من إبهاري بنظرةٍ واحدة.

"جودي.. اسمي جودي" قالت بصوت خافت. ثمّ أردفَت: "أنا بخير، شكرا لك سيدي." كانت طريقتها في الكلام و التّعامل معي رسميّة جدا على الرغم من التّفتّح السّائد في الشركة. الكلّ يعلم أنّ نظام الطبقية و الأولوية غير معمول به هنا، لكن كان يبدو لي أنها لا تعرف هذا بعد.

"يمكنكِ الذهاب للبيت. خذي بقية اليوم إجازة، و إن لم تشعري بتحسن حتى الغد اتصلي لطلب عطلةٍ مرضية." قلت ببعض الرّسمية مستخدما سلطتي كنائبٍ لمديرة الشركة. ثم عرضت عليها أن أرافقها إلى مكتبها إن كانت بحاجة لمرافقة، لكنها رفضت.

مشت جودي بخطى غير ثابتة نحو المصعد و عدت أنا إلى مكتب شقيقتي.

"من كانت تلك الفتاة؟" رميتُ سؤالي هذا على شقيقتي التي كانت جالسةً خلف مكتبها حين دخلت.

"ما الذي تتحدث عنه؟" نظَرَت إليّ بتعجب.

"الفتاة التي غادرت مكتبك الآن.. جودي!" وضّحتُ لها ما أقصده و انتظرت جوابها.

"و لماذا أنت مهتمّ بها هكذا؟" سألت ميرنا و ابتسامة استفزازية تعلو وجهها.

"لقد كانت هنا في عيادتك منذ دقائق.. لماذا تركتها تغادر إن كانت حالتها بهذا السوء؟ هل أنتِ طبيبة حقا؟" عاتبتُ شقيقتي الصّغرى ممازحا إيّاها و محاولا استفزازها أيضا.

اختفت الابتسامة من وجهها و ارتسمت عليه بوادر الجدّية و الصرامة فجأة. "إنها موظفة جديدة في قسم الشؤون القانونية." قالت أولا ثم سألت: "ماذا أصابها؟ لقد كانت بخير.. كل ما في الأمر أنها كانت تعاني من الصداع فطلبت دواء مسكنا للألم."

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now