35

6 4 0
                                    

[رائد]

ركنت السيارة في الشارع المقابل لشقة جودي و بقيت هناك حتى الصباح. جلست خلف المقود لبعض الوقت حتى بدأت أشعر بالملل. كانت أوامر الرئيس واضحة تماما و هي أن أقوم بحماية الآنسة من أي خطر لمدة 24 ساعة في اليوم. كانت مهمتي ستكون أسهل بكثير لو أن جودي سمحت لي بالبقاء بالقرب منها و حمايتها، لكن تصرفها بهذه الطريقة شكّل عائقا كبيرا أمام مهمتي. أرجعت الكرسي للواراء قليلا محاولا الاسترخاء بعدما تأكدت من خلود جودي للنوم، لكن بعد فترة قصيرة اشتعلت الأنوار مجددا في غرفتها و قد كانت النافذة لا تزال مفتوحة حينها. ترددت قليلا ثم أرسلت لها رسالة قصيرة لكنها تجاهلتني. لم أستسلم و أرسلت المزيد من الرسائل لكي أحثها على الرد. فعلت ما بوسعي لأجعلها تثق بي و تحدثني بحرية لكنها عنيدة جدا و عزيمتها لا تنكسر بسهولة.

"صباح الخير، آنسة جودي." أوقفت السيارة بجانبها بينما كانت تسير مسرعة نحو محطة الحافلات. نظرت إليّ ببرود و فتحت باب السيارة و صعدت إلى جانبي بهدوء. كانت تبدو على وجهها علامات التعب فقد نامت في وقت متأخر جدا ليلة أمس.

"صباح الخير" ردت جودي و هي تثبت حزام الأمان.

"هل نمتِ جيدا؟" سألت فأومأت برأسها دون أن تنطق بكلمة.

"هل تناولتِ فطورك؟" قدت السيارة ببطء حتى أستطيع مشاهدة ردود فعلها تجاه أسئلتي.

"نعم. أسرع قليلا، سوف نتأخر." قالت و هي تحدق بالطريق أمامها.

"حسنا، سأفعل."

"لدينا عمل ميداني اليوم على الساعة الواحدة، سنقوم بزيارة موقع تشييد الشركة الفرعية للنسيج و تسجيل بعض الملاحظات حول المشروع." شرحت جودي مطولا.

"حسنا، سأقوم بإيصالك إلى هناك لاحقا."

"كمساعدي الشخصي، مهمتك ليست إيصالي فحسب، بل تدوين الملاحظات أيضا." قالت بهدوء محاولة استفزازي.

"مهارتي في الكتابة لا تعادل مهارتي في القيادة لكنني حتما سأفعل ما تطلبينه مني."

لم تكن جودي مستعدة لتقبّل أي شخص من طرف والدها في حياتها، و بما أنني مجرد جاسوس في نظرها فهي ستظل تمقتني حتى أستطيع تغيير وجهة نظرها.

"لقد وصلنا، يمكنك الذهاب أينما تريد الآن لكن لا تتأخر عن موعد خروجنا لموقع التشييد." قالت جودي بينما كانت تهم بالنزول من السيارة.

"أنا قادم معك." أجبت مباشرة لكنها لم تكن تهتم لذلك.

لم نغادر موقف الشركة بعد حتى اعترضت سيارة وائل طريقنا، ثم نزل هو و داني و وقفا أمامنا.

"جودي، هناك أمر يجب أن نناقشه على الفور." تكلم داني بدون تكلفة.

"ماذا هناك؟"

"لا تقلقي يا جودي. كل ما في الأمر أننا نريد أن نجتمع بك لبعض الوقت لنتحدث في موضوع شديد الخصوصية." قام وائل بالتوضيح.

"حسنا. لا بأس بذلك."

"جيد. لنذهب إلى مكتبي إذن." أضاف وائل.

كنت لا أزال واقفا هناك حين نظر داني نحوي بازدراء و طلب مني الرحيل لأن الأمر سريّ و لا يعنيني، لكن الغريب في الأمر أن جودي طلبت مني مرافقتها مما أثار غضب الرجلين.

"لا بأس ببقائه، فهو يعلم كل الأمور السرية و لا يخفى عنه شيء على الاطلاق."

سارت جودي بين الرجلين و مشيت خلفهم دون النطق بكلمة، مراقبا تصرفاتهما و طريقة تواصلهما و الإشارات التي يرسلانها لبعضهما البعض...

"تفضلوا بالجلوس" طلب وائل من الجميع بعد دخولنا غرفة مكتبه.

"ما الأمر؟" سألت جودي الشابين اللذان بقيا صامتين لبعض الوقت.

"حسنا،" تكلم وائل "أعتقد أننا يجب أن نتكلم بجدية حول ما حدث تلك الليلة.."

"عن علاقتك بوالدك بالتحديد.." واصل داني.

"لقد أخبرتكما بكل شيء سابقا." ردت جودي و قد بدت متوترة قليلا. ناولتها كوبا من الماء فأخذته مني بيد مرتعشة.

"ربما عليك مصارحتنا لكي نستطيع مساعدتك." قال وائل بتردد.

وضعت جودي الكوب على الطاولة أمامها ثم نظرت نحو الرجلين و تكلمت بحزم، "ما الذي تريدان معرفته؟"

"كل شيء.. نعلم أن علاقتك بوالدك سيئة لكن ما مدى سوئها و هل يجب أن نقوم بحمايتك منه؟" ردّ داني على سؤالها بآخر.

"لا داعي لذلك، أعرف جيدا كيف أتعامل معه بمفردي." أجابت جودي بثقة.

"هل أنت متأكدة؟" تدخل وائل.

"أجل. دعونا ننسى ما حدث في تلك الليلة و نتظاهر بأن كل شيء على ما يرام." قالت جودي ثم أضافت "أعذراني الآن، لديّ ملفات مستعجلة لأسلمها للمديرة. أراكما لاحقا."

جودي هذه شخصية غريبة جدا.. كلما اعتقدت أنني فهمتها جيدا، أدركت لاحقا أنني مخطئ و أنها لازالت غامضة كما كانت أول مرة.

تبعتها نحو المكتب في صمت، ثم جلس كلانا هناك لساعات دون أن يتكلم أحدنا إلى الآخر.

"لقد حان موعد الغداء الآن" نظرت نحو الفتاة الجالسة خلف مكتبها، المستغرقة في دراسة بعض الملفات في صمت. "هل ستستمرين في تجاهلي؟" سألت عندما لم أتلق جوابا منها.

نظرت جودي إلى ساعة يدها ثم إليّ قائلة: "يمكنك الخروج لتناول الطعام، فأنا لن أحتاجك إلا بعد نصف ساعة."

نظرت نحوها باستغراب لكنني لم أقل شيئا آخر. خرجت من المكتب بغية جلب بعض الطعام لكلينا و عندما عدت كانت قد جمعت كل الملفات التي كانت منتشرة أمامها و حضرت نفسها للخروج.

"هيا لنذهب الآن." قالت جودي حين لمحتني.

"إلى أين؟"

"لقد أخبرتك هذا الصباح. لدينا عمل ميداني..."

"تناولي غدائك أولا!" قاطعتها معاتبا.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن