20

12 4 0
                                    

توقّفت سيارة الأجرة أمام بوابة المحطّة. نزلنا من السيارة و حملنا حقائبنا و سرنا نحو الداخل. كان العديد من المسافرين يجرّون أمتعتهم أو يحملونها، بعضهم يدخل المحطة بينما يخرج منها آخرون.
يبدو أنه قد تمّ ترميم هذه المحطة و تزويدها بمرافق عصريّة، كما أنه تمّ توسيعها و زيادة عدد العاملين فيها. لم تطأ قدميّ هذا المكان منذ أوّل مرّة أتيتُ إلى هذه المدينة لألتحق بالجامعة و كانت تلك آخر مرة أسافر فيها نحو القرى الريفية.

سافرتُ خارج المدينة عدّة مرات خلال دراستي و بعد تخرجي كذلك، حتى أنني عشت مدة لم تتجاوز السّنة في مدينة مجاورة، كنت آنذاك أحاول الاختباء من والدي الذي كان يبحث عني في كلّ مكان أذهب إليه.

غادرت الرّيف عندما بلغت الثّامنة عشر من عمري و ذلك لأن جدّتي توفيت و بقيتُ وحيدة هناك. حملت آنذاك حقيبة سفر صغيرة كالتي أحملها الآن و انطلقت نحو المجهول، لكن ما لبث أن سمع والدي بما حدث و بدأ يبحث عني.

كان الأمر مزعجا جدًا حينها، فقد كان يتقلّد منصب وزير العدل و كان نفوذه واسعا جدًا يسمح له بإيجادي  في أي مكان أختبئ فيه.

ذات مرةٍ عندما خرجتُ من الجامعة و كنت في طريقي نحو المطعم الذي أعمل فيه، اعترضني مجموعة من حراسه الشخصيين و أرغموني على الذهاب معهم للقائه. بعد تلك الحادثة، بدأتُ أحتاط منه و من جواسيسه. غيرت مقرّ سكني مرات كثيرة و استقرّيت أخيرا في غرفة صغيرة في مبيت قديمٍ وسط المدينة. كان ذلك أول سكن أتشاركه مع ليندا.

اشترت سالي تذاكر الحافلة التي تمّ توجيهنا إلى مكان وقوفها من قبل أحد العاملين هناك. طلب منا شخصٌ آخر الصعود على متن الحافلة ففعلنا بعد أن وضعنا أمتعتنا في صندوق الحافلة. جلستُ بالقرب من النافذة و جلست سالي إلى جانبي و خلال ربع ساعةٍ تقريبا أمر السّائق الركاب بالجلوس في أماكنهم و أَعلَن عن بدء الرحلة.

ما إن انطلقت الحافلة حتى غطّت سالي في نوم عميق مُسنِدة رأسها على كتفي. أخذت هاتفي من جيب سترتي و كتبت رسالة لداني كان مفادها أنني سأراه غدا في الموعد المحدد.

راقبتُ من خلال النافذة الشّمسَ و هي ترتفع تدريجيا في الأفق. اختفت مظاهر الحداثة المرتبطة بالمدينة شيئا فشيئا بينما بدأتِ الطبيعة تكتسح طرفيّ الطّريق التي سارت عليها الحافلة.

صار بالإمكان رؤية خط الأفق يفصل بين قمم الجبال و السّماء على مدّ البصر، كقطعةٍ فنيّة ثمينة، ألوانها ممزوجة بحذر شديد و ضرباتُ الريشة عليها مدروسةٌ بدقّة. تزيّنت اللوحة بسُحبٍ بيضاء أنيقةٍ كالقطن تسبح في سماء زرقاء صافية، و بين الحين و الآخر كانت مجموعة من الطيور تحلّق معا ثمّ تختفي وراء الجبال.

راقبتُ الطريق مطوّلا بينما كنت أصارع رغبتي في النوم.. لقد كنتُ متعبة و ناعسة جدا، لكنني لم أرد أن أزيح ناظري عن هذه المناظر الجميلة، مجرّد رؤيتها هكذا من خلف زجاج النافذة يشرح صدري و يبعث في نفسي أملا جديدا.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن