34

6 4 0
                                    

[جودي]

أصبحتُ كالآلة و صارت أيامي كلها متشابهة و مملّة. أخذت نفسا عميقا و قمت نحو النافذة، فتحتها كما أفعل كل ليلة لينبعث النسيم البارد نحو الداخل بهدوء و سلاسة حتى يملأ كافة أرجاء الغرفة خلال ثوان. كان المكان هادئا تماما إذ نامت الفتيات منذ حوالي الساعة و حلّ السكون محلّ أصواتهن المرحة. من المؤسف حقا أنني لم أشاركهن السّهرة هذه الليلة إذْ فضّلت البقاء في غرفتي عوضا عن ذلك.

سرت عائدة إلى سريري ثم جلست على الحافة أتأمل النافذة التي كانت لا تزال مفتوحة. شعرتُ بذلك الفراغ الرهيب الذي كان يكبر في داخلي كلّ يوم فتسرّب نوع من الخوف إلى قلبي. ليس من الغريب أن ينتابني الخوف أحيانا فأنا كائن ضعيف جدّا تقتات عليه الجوارح و الوحوش الضارية. لملمت جناحاي المنكسران و خلدت للنوم لأنه لا فائدة من النحيب و العويل مادمت غير قادرة على تغيير أي شيء.

لم تدم غفوتي طويلا فقد استفقت مفزوعة بعد عشرين دقيقة تقريبا. وقفتُ من مكاني فجأة و بسرعة كبيرة حتى شعرتُ بالدّوار، قاومت ذلك و واصلت طريقي نحو الحمام. فتحت الصنبور و سكبتُ الماء على وجهي بغزارة حتى استفقت تماما. لم أرغب في العودة للنوم مجددا بعدها.

كثيرا ما أشعر بأنني أسيرة و أن محاولاتي للفرار غير مجدية فأستسلم لضعفي و قلة حيلتي. أشعلتُ نور غرفتي الكئيبة و الباردة و جلست ثانية على حافة السرير في صمت حتى رنّ هاتفي الذي وضعته على الطاولة المجاورة عندما عدت من العمل مساء.

[من رائد: لماذا أنت مستيقظة؟]

نظرت حولي بشكل عفوي و كأنني أبحث عن الشخص الذي راسلني للتّو، لقد تيقّنت أنه على الأغلب يراقبني من مكان قريب. غمرني الإحباط الشديد فوضعت الهاتف مكانه و استلقيت. مسحتُ بيدي على رأسي فتغلغلت أصابعي بين خصلات شعري بينما استمعت في صمتٍ لذلك الصوت الداخلي الذي يحثّني على التحرر من قيود والدي بأي طريقة كيفما كانت.

قطعت حبل أفكاري رسالة واردة أخرى.. قرأتها و لم أجب.

[من رائد: هل أنت بخير؟]

من بين كل جواسيس والدي، هذا الشخص هو حتما أكثرهم إزعاجا و تطفلا!

[من رائد: سأصعد لشقتك إن واصلتي تجاهل رسائلي.]

و أكثرهم جرأة و وقاحة أيضا..

[من رائد: هل تعتقدين أنني أمزح؟]

[من رائد: هذا هو الإنذار الأخير! سأضغط زر جرس الباب الآن.]

فقدت أعصابي عندما قرأت آخر رسالة و قررت أن أردّ عليه هذه المرّة فقط.

[إلى رائد: لماذا لا تدعني و شأني!]

[من رائد: أخيرا.. هل أنت على ما يرام؟]

كنت منزعجة بالفعل لعدم قدرتي على النّوم بهدوء، ثمّ انهال عليّ رائد بوابل من الرسائل المستفزة.. تقلبت على السرير بينما كنت أكتب ردا آخر على رسالة رائد.

[إلى رائد: ألن يسمح لي الرئيس ببعض الخصوصية؟]

[من رائد: هل يزعجك تواجدي هنا؟]

[إلى رائد: أنت تراقبني طوال اليوم، لا داعي لمراقبتي خلال الليل أيضا..]

[من رائد: أنا فقط أقوم بحمايتك، وفقا لأوامر والدك.]

[إلى رائد: من ماذا تقوم بحمايتي بالضبط؟]

[من رائد: من أعداء الرئيس طبعا.]

[إلى رائد: إذا كان الأمر كذلك فأنا لا أحتاج لخدماتك، يمكنك الرحيل فورا.]

[من رائد: هل تريدين الذهاب إلى الشاطئ؟]

ماذا؟ الشاطئ؟ هل يستطيع هذا الشخص قراءة أفكاري؟ مطلقا! لقد التقينا أول مرة هناك و على ما يبدو لم يكن لقاؤنا ذاك مصادفة.. من البديهي أن يعرف رائد مثل هذه التفاصيل عن عمله. أنا لست سوى بيدق من بيادق والدي، يحركني كما يشاء، ليس بمقدوري الهرب منه و من جواسيسه مهما حاولت..

[إلى رائد: يالك من طالب نجيب!]

[من رائد: أنا لست أمزح! انزلي و سآخذك في جولة.]

حاولت احتواء غضبي و قاومت رغبتي الشديدة في رمي الهاتف اللّعين عبر النافذة.

[إلى رائد: لقد تأخر الوقت. سأنام.]

[من رائد: تصبحين على خير.]

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now