31

16 4 0
                                    

[داني]

قمتُ بإدخال البيانات المناسبة في جهاز تحديد المواقع و سلّمت عجلة القيادة لوائل الذي استمرّ في القيادة حتّى الصباح. نمتُ قرابة الثّلاث ساعات فقط خلال الليلة الماضية أما وائل الذي لم تسنح له الفرصة لينام طوال الليل لم يسمح لي أن أحلّ محله عندما استيقظت من نومي.

"أنت تقود منذ ساعات، دعني أتولى القيادة بدلا عنك." كلّمتُ وائل الذي كان شارد الذهن.

"لا بأس، سنصل قريبا."

بعد عدّة محاولات وافق وائل و ركن السّيارة بدون اعتراض، غيّرنا أماكننا و واصلنا سيرنا. بعد نصف ساعة تقريبا تركنا الطّريق السّريع و دخلنا لوجهتنا. أشرقت الشمس بالفعل لكن السّكون عمّ المدينة لأن الوقت كان لا يزال مبّكرا.

توجّهتُ مباشرة لأقرب فندق و حجزتُ غرفة لشخصين. صعدنا لغرفتنا معًا، استلقى وائل على السرير بينما ذهبت أنا للاستحمام. عندما عدتُ للغرفة كان وائل نائما بعمق. قرّرت عدم إزعاجه لأنه كان يحتاج لبعضٍ من الراحة.

خرجت من الغرفة و أغلقت الباب بهدوء كي لا يستيقظ وائل من نومه، ركبتُ سيارتي التي كانت في مرأب الفندق و قدتُ نحو منزل جودي القديم. لم تتغيّر الكثير من الأمور هنا، بعض الشوارع صارت عامرة أكثر و مكتظّة بالراجلين، بعض البنايات الجديدة قد شيّدت أيضا، لكن الكثير من الأشياء بقيت كما كانت من قبل.

خلال دقائق وصلت إلى وجهتي و ترجّلت من السّيارة. نظرتُ من حولي لأرى ما الذي تغيّر في هذه المنطقة، كانت البيوت نفسها على طول الشارع، ربّما تغيّر أصحابها لكنّها بقيت جميعها كما كانت منذ عشرين سنة.

مشيتُ بسرعة حتى بلغت منزل جودي و المنزل المجاور له الذي كانت تعيش فيه صديقة والدتها. كانت السّاعة العاشرة صباحا حينها لذلك لم أتردّد في طرق الباب. بعد مدة قصيرة فتحت فتاة شابة الباب و سألتني من أكون، أخبرتها أنني أريد أن أتكلم مع أحد السكان القدماء في هذه المنطقة و سألتها إن كانت تستطيع أن تدلني على أحدهم.

"والداي كانا يعيشان هنا منذ أكثر من أربعين عاما، سأنادي أمي حالا." قالت الفتاة و عادت للداخل. بعد لحظات جاءت مجدّدا و كانت معها والدتها التي قامت بدعوتي للدخول.

"لا داعي لذلك يا سيدتي فأنا مستعجل بعض الشيء. أريد فقط أن أطرح عليك بعض الأسئلة إذا سمحتِ."

"أجل، تفضل يا بني." قالت العجوز و ابتسمت بلطف.

"هل تعرفين أصحاب هذا البيت؟ أقصد أصحابه الأصليين." سألت مشيرا إلى منزل جودي.

"بالتأكيد. كانت سيّدة ذاك البيت صديقتي المقربة." اختفت الابتسامة من وجهها عندما بدأت في الكلام لكنّها توقفت فجأة.

"تقصدين السّيدة هيلين، صحيح؟" سألتُ لأتأكد أنها تتحدث عن والدة جودي.

"أجل.. لكن كيف تعرف هيلين؟ هل أنت أحد أقربائها؟" سألت السّيدة باستغراب.

"لا، أنا فقط صديق ابنتها.. أريدُ أن أعرف ماذا حدث لها، هل لازالت تسكن هنا لحد اليوم؟"

"صديق جودي؟ كيف لا تعرف ماذا حدث لـ هيلين؟" تساءلت المرأة مجددا.

"لقد افترقت عن جودي منذ زمن طويل، لذلك لا أعرف ماذا حدث. هل يمكنك إخباري؟"

"إنها قصة طويلة يا بنيّ.. لكن باختصار، توفيّت هيلين منذ تسعة عشر سنة و خمسة أشهر بالضبط." بدا الحزن واضحا على السيدة العجوز التي كانت تقف بصعوبة متّكئة على عكازها من جهة و تسندها ابنتها من الجهة الأخرى.

"كيف حدث ذلك؟"

"لقد انتحرت.. رمت بنفسها من الطابق العلوي على مرأى من الجميع.." لم تستطع المرأة العجوز قول المزيد، و لم أقم أنا أيضا بطرح أسئلة أخرى. ربما عقدتِ الدهشة لساني لأنّني لم أتوقع أن أمرا كهذا حدث لجودي عندما كنا صغارا.

"أنا آسف جدّا.. لكن هل تعلمين السبب الذي دفعها للانتحار؟" سألت مجدّدا بعد لحظات.

"من الصعب الخوض في تفاصيل القصة الآن، لكنّ كل ما حدث في ذلك البيت كان بسبب أمجد. كل شيء سيء كان هو السبب فيه!" كان صوتها يضمر حزنا عميقا جدا.

"أنا آسف مجدّدا.. أعتذر حقا عن استحضار هذه الذكريات المؤلمة." اعتذرتُ لهما من أعماق قلبي و غادرت.

لقد صدمت بالفعل بعدما سمعت هذه القصة.. 'لماذا تكتّمت جودي عن الأمر طوال هذا الوقت؟ لماذا رحلت فجأة بعد ذلك و بدون وداع؟' عدتُ إلى السيارة و بقيت جالسا بداخلها لمدّة قد تكون طويلة جدّا.. لم أشعر بمرور الوقت بينما كنت أفكر فيما أخبرتني به تلك السّيدة. رنّ هاتفي فجأة ليعيدني لأرض الواقع، كان ذلك وائل.

"مرحبا.. هل استيقظت؟" حاولت جعل صوتي يبدو طبيعيا.

"اممم أين أنت؟"

"أتجول بالسّيارة عبر المدينة. سأعود إلى الفندق فورا."

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang