46

6 2 0
                                    

[روبي]

كانت حالة جودي خطيرة جدا عندما تمّ إنقاذها و قد كنت مرتبكة و خائفة و بدلا من القيام بمساعدة المسعفين في عملهم، راقبتُ ما يحدث خلف سيل من الدموع. كانت يداي ترتجفان وغمرني اليأس حين رأيتها بهذا الشكل و خفتُ إن أنا قمت بشيء ما ستصبح الأمور أسوأ مما هي عليه.. أعترف أنني لم أفقد يوما السيطرة على نفسي خلال مسيرتي في مهنة الطب كما حصل معي الآن.

نُقِلَت جودي لغرفة الطوارئ على عجل.. كنت خلفها تماما، تكلمت مع الطبيب المكلف بها و أعلمته بما حدث، كما أنني زوّدته ببعض المعلومات الهامة حول حالة جودي الصحية عموما بصفتي طبيبتها منذ سنوات. كان وضعها يزداد سوءا على الرغم من المجهودات المبذولة في إسعافها. قرر الأطباء نقلها لغرفة العناية المركزة و مراقبتها باستمرار حتى تستقر حالتها.

استعاد رائد وعيه بعد مدة قصيرة من نقله إلى المستشفى. عندما ذهبت لرؤيته وجدته جالسا على حافة السرير بينما تقوم الممرضة بتنظيف جرحه و تضميده.

"هل أنتَ بخير؟"

"كيف؟ -- جودي -- كيف حالها؟" سأل رائد بصعوبة، و قد بدا من خلال صوته أنه يتألم كثيرا.

لقد بذل هذا الشاب كل ما في وسعه، بالرغم من كل شيء، لإنقاذ حياة جودي. ماذا سيحدث لرائد إن حصل أي مكروه لتلك الفتاة الطائشة؟ هل سيطرده الرئيس من عمله؟ يالي من فتاة غبية.. لم يكن هذا الوقت مناسبا لمثل هذه الأفكار السلبية.. طلبت من الممرضة بأن تتركنا لوحدنا فغادرت. جلست مكانها على الكرسي أمام رائد و واصلت ما كانت تقوم به قبل مغادرتها.

"لا تقلق.. ستكون جودي بخير." لم تكن كلماتي مقنعة.. أنا شخصيا لم أقتنع بها، كيف سيصدق رائد ذلك؟

"أنتِ تكذبين.. أليس كذلك؟" قال رائد بصوت منخفض. "هل ستعيش حقا؟" كانت كل كلمة تخرج من فمه مثقلة بحزن و ألم عميقين.

"لا أعلم.." انفجرتُ باكية من دون قصد.. لم أجد الكلمات المناسبة لأرد على رائد، لكنه قد فهم كل شيء من خلال دموعي. وقف فجأة و سار مترنحا نحو مكتب الاستقبال، ربما ليسأل عن مكان جودي.. لم أستطع الوقوف لأتبعه، جلست هناك بينما انهمرت دموعي من دون توقف. فجأة تذكرت سالي فأخرجت هاتف جودي من جيب بنطالي لأتصل بها. لقد كانت قلقة بالفعل نظرا لهذا الكم الهائل من المكالمات و الرسائل الواردة..  ها هي ذي تتصل مجددا.

"جودي.. أخيرا.. هل أنتِ بخير؟" جاء صوتُ سالي القلق من الطرف الآخر.

"هذه أنا، روبي." تكلمتُ بعد محاولة يائسة في حبس صوت بكائي على الرغم من دموعي التي لم تتوقف بعد.

"روبي؟ ما الأمر؟ هل حدث شيء ما لـ جودي؟"

لم أستطع استجماع شجاعتي و إخبارها بالأمر مباشرة، كما أنني لا أملك الحق في إخفاء الأمر عنها..

"جودي.."

"ما بها جودي؟ أخبريني!" كانت هذه أول مرة يرتفع فيها صوت سالي بهذه الطريقة.

"تعالي إلى المستشفى أولا و سأخبرك بكل شيء."

"مستشفى؟ هل جودي بخير؟"

"لا تقلقي.. ستكون بخير، أعدك."

مسحتُ دموعي و سرت في أروقة المستشفى نحو الغرفة التي تتواجد بها جودي. كان رائد ينظر إليها من خلال الزجاج.. وقفت بجانبه، أمسكت بيده و سحبته نحو المقعد بهدوء و حذر.

"اجلس هنا. عليك أن تنتبه لصحتك يا رائد. لا تنسى أنك مصاب أيضا."

جلس رائد مطأطئا رأسه و مسندا ظهره على الجدار و لم ينطق بكلمة. خلال دقائق امتلأ المكان بأتباع الرئيس.. كان الجميع يرتدي بدلات سوداء و ربطات عنق و أحذية جلدية سوداء لامعة.. تقدمت نحوي سيدة تبدو في الأربعين من العمر، ترتدي زيا رسميا أزرق اللون و حذاء بكعب عالي. صافحتني و عرّفت بنفسها على أنها المساعدة الشخصية الرئيس.

"ماذا عن الرئيس؟ هل هو هنا أيضا؟" سألت بدافع الفضول حول هذا الشخص الذي لم أره يوما بالقرب من جودي منذ أن عرفتها.

"ليس تماما. هو مشغول الآن و لا يستطيع المجيء. لكنه سيأتي لاحقا." أجابت السيدة بنبرة هادئة خالية من التوتر أو القلق.

أومأتُ فقط و لم أقل أي شيء آخر. في الواقع، لم يكن هناك ما يقال.. تيقّنتُ الآن فقط أن الرئيس هو السبب وراء سوء علاقته مع جودي.. قد يبدو من خلال كلامه أنه يهتم لأمرها و يريد أن يحسّن علاقته بها، لكنه في الحقيقة لا يهتم مطلقا لأمرها. قد لا تنجو جودي هذه المرة، لكن والدها مشغول و لا يمكنه أن يكون بجانبها.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Donde viven las historias. Descúbrelo ahora