56

8 2 0
                                    

[جودي]

حين فتحتُ عيناي علمتُ أنه لا مفرّ من هذا العالم إن لم يتوقّف القدر عن إحباط مخططاتي في الانتحار. من النظرة الأولى حول الغرفة التي كنت أمكثُ فيها تبيّن لي أنني في المستشفى. انبعث نور خافت عبر زجاج النافذة و الستائر السّميكة المنسدلة، ربّما لم تشرق شمس الصباح بعد، أم أنها ستغرب قريبا؟ أو ربما كان الجو غائما في الخارج.. لا أعرف كم مرّ على وجودي هنا، أو حتى كم كانت الساعة الآن بالضبط أو في أي يوم نحن.. شعرت بالألم الشديد في كامل جسدي حين حاولت النهوض، لكنّني بالرغم من ذلك نهضت بعد أن تخلصت من الابرة التي كانت متصلة بذراعي. 

جلست على حافة السّرير في انتظار قدوم شخص ما.. لا أذكر ماذا حدث بالتفصيل بعد أن قفزت من أعلى الجرف.. لا أدري كيف انتهى بي الأمر هنا أو من قام بإنقاذ حياتي. كل ما أذكره هو مشهد المحيط الذي وعدني أن يغسل كل أحزاني و يزيل كل آلامي إن ألقيتُ بنفسي داخله. لماذا لم يفِ المحيط بوعده لي يا تُرى؟

فُتح باب الغرفة بعد عدّة دقائق و دخلت روبي، هالةٌ من الحزن تحيط بها. فستانها الأسود و معطفها الرمادي ساهما في تقوية إحساس الكآبة الذي يستوطن هذا المكان. فوجئت روبي عند رؤيتي فتقدمت نحوي مسرعة لتتحقق من أنني بخير.

"عودي إلى السرير.. لا تتحركي كثيرا ستؤذين نفسكِ.."

هل تدرك روبي أنني لا أهتمّ لذلك؟ أليس كلّ ما أجيده هو إيذاء نفسي و الأشخاص المحيطين بي؟ حدّقتُ فيها لكنها كانت تتفادى النظر في عينيّ مباشرة.. هي لم تكن تتجنبني بل تتجنب الاصطدام بالحقيقة التي لم أعد أخفيها و صارت واضحة أمام الجميع.

"ابقي هنا، سأعود فورا.." استدارت و مشت باتجاه الباب.

"أريد الخروج من هنا.. حالا." قلتُ بصوت منخفض جدا لكنها تمكنّت من سماعي، وقفَت روبي في مكانها للحظات، لم تستدر لكي أرى ملامحها، كأنها تحاول أن تجد ردّا مناسبا لا يجرح مشاعري، إلا أنها واصلت سيرها متجاهلة كلامي.

لا بأس، فأنا أستحق ذلك. وجود روبي هنا يعني أن الجميع يعلم بما حدث. هل رائد هنا أيضا يا ترى؟ هل علم والدي بهذا؟ سيعتقد أنني ضعيفة الشّخصية و لا أصلح لأكون ابنته.. لا يهمني ما يعتقده على أيّ حال.

عادت روبي بسرعة و معها أحد الأطباء. كان رجلا في الستين ربما، توقف شعره عن النمو في مقدمة رأسه و حتى المنتصف بينما نما شعرٌ أشيب كثيف على الأطراف. تقدم نحوي بخطوات سريعة و بدأ يفحصني ويطرح عليّ بعض الأسئلة.. كان هذا مملا جدا.

"متى يمكنني العودة إلى البيت؟" سألتُ الطبيب.

"يجب أن تخضعي للمزيد من الفحوصات أولا..." بدأ الكهل كلامه لكنه توقف عندما سمع صوت الباب.

فُتِح الباب فجأة بعنف و دخل رائد مسرعا و كأن شيئا ما يلاحقه.

"خذي! ساعديها في تغيير ملابسها، سوف نغادر فورا." سلّم رائد حقيبة صغيرة لروبي ثم خرج فورا.

طلبت روبي من الطبيب أن يذهب و ساعدتني في ارتداء ثيابي..

"ما الذي يحدث؟" انتابني الفضول لبرهة.

"ألم تطلبي الذهاب إلى البيت؟"

لم أضف كلمةً أخرى إذ علمت جيدا أن كل ما قد أقوله سيستخدم ضدي.. كما أنني لست غبية كفاية لكي يستطيع هذان الاثنان خداعي.

كان ارتدائي لملابسي بمثابة عمل شاق بسبب الألم الذي شعرت به كلما حرّكت جسدي أو جزءا منه. ساعدتني روبي على الوقوف بتوازن و غادرنا المبنى بأقصى سرعة. كان رائد في المقدمة يتفقّد المكان و يتأكد من أن الطريق خال من أي خطر. هذا يشبه ما حدث في ذلك اليوم عندما أصيب رائد محاولا حمايتي. أنا خائفة جدا من أن يكون الجميع هنا في خطر، و بالأخصّ روبي و رائد.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now