53

6 2 0
                                    

[روبي]

مرّت ثمان ساعات منذ إدخال جودي لغرفة العناية المركزة، و صارت بوادر التعب و القلق والتوتر جليّة على جميع الجالسين هنا في قاعة الانتظار. حاولتُ إقناع رائد بالذّهاب إلى غرفته ليرتاح قليلا و يستعيد قوّته لكن بدون جدوى.. كان رائد عنيد جدّا و كلّما تجادلت معه لفترة أطول ذكّرني عناده بجودي. إنهما متشابهان كثيرا، كلاهما يحمل في داخله جراحا عميقة لا تزول.. حتى لو لم تفارقهما الابتسامة مطلقا، كانت عيونهما تتكلّم لغة الحزن بطلاقة.

"لقد تعرّضت لطلقٍ ناري البارحة فقط و لم تتحصّل على الرعاية الكافية.. و مع ذلك عرّضت حياتك للخطر اليوم و سبحت لساعات رغم الإصابة.. توقف عن عنادك الآن و اذهب لغرفتك!" حدّق رائد بي و لم يقل شيئا، "جودي في حاجة إليك لتقوم بحمايتها، نحن جميعا في حاجة إليك أيضا لتقوم بدعمنا.. خذ قسطا من الراحة، لأجلنا."

بعد أن أوصلتُ رائد إلى غرفته و تأكدتُ من أنه لن يعود إلى هنا، طلبت من ليندا و سالي أن تغادرا المستشفى. بقاؤهما هنا ليس ضروريا، بل قد يتسبب في المزيد من المتاعب. لا أريد رؤيتهما تمرضان أيضا من شدة القلق على جودي. ممارستهما لحياتهما اليومية ستخفف من حدّة التوتر على الأقل.

"عليكِ بالنوم باكرا الليلة و الذهاب للجامعة صباح الغد." وجهت كلامي لسالي التي لم تتوقف عن ذرف الدموع منذ وصولها إلى هنا. كانت عيناها متورمتان و آثار الدموع تكسو وجهها بالكامل.. رؤيتها بهذا الشكل جعلني أندم لإخبارها بحقيقة ما حدث مع جودي.

"لا أريد ذلك.." لم تكن سالي تتذمر لأنها توقن أن بقاءها هنا لن يغير من الأوضاع شيئا.

"و أنتِ أيضا يا ليندا لديكِ صفوف تُدرّسينها غدًا. اذهبا للبيت الآن و سأخبركما بكافة التطورات."

لم يكن إقناعهما سهلا لكنه ليس مستحيلا. رافقتهما خارجا و وضعتهما داخل سيارة الأجرة و أرسلتهما إلى البيت. عُدتُ بعد ذلك إلى الداخل حيث كان الحارسان واقفان أمام باب الغرفة بتفانٍ.

"يمكنكما أن ترتاحا قليلا الآن.."

"لا بأس، هذه أوامر الرئيس." أجاب أحدهما بشكل آليّ.

لم أقل شيئا آخر، فقط سرت نحو المقعد و جلست هناك بمفردي. تناوبَتِ العديد من الأفكار في غزو ذهني طوال اللّيل. تساءلتُ مطولا إن كان الرئيس سيظهر أم لا. هل هو والد جودي حقا؟ لو كان كذلك لماذا لا يبرهن عن حبه لها بتواجده  بالقرب منها بدلا من ملإ المكان بالحراس؟

لم يغمض لي جفن طوال اللّيل بسبب التوتر الناجم عن كل ما حدث في اليومين الماضيين. في اليوم التالي تبدّدت كل مخاوفي حين طمأننا الطّبيب المكلّف بجودي عن حالتها.

"كيف حال جودي اليوم؟" سألني رائد مباشرة بعد ذهابي لرؤيته.

"كل شيء بخير. لديها ارتجاج بسبب الاصطدام و بعض الأضلاع المكسورة و القليل من الكدمات.. لكنها تجاوزت مرحلة الخطر الآن و تمّ نقلها إلى غرفة عادية."

"هل استيقظت؟"

"ليس بعد." أجبتُ باختصار ثم سألت "و أنت؟ كيف حالك؟"

"كما ترين، أنا لا أُقهر."

جلستُ في صمتٍ لبعض الوقت لكنني لم أستطع إخفاء فضولي، فسألت "هل سيأتي الرئيس للاطمئنان على ابنته؟"

"لا أعتقد ذلك.." أغمض رائد عينيه و أسند رأسه على الجدار و لم يتفوّه بكلمة أخرى.

لماذا تفوح رائحة اليأس من كلمات رائد؟ هل هناك ما يخفيه؟ لم أرغب في استجوابه بالرغم من كثرة الأسئلة التي أردتُ طرحها عليه.

بعض الأشخاص في حياتنا يخفون عنا ما يؤلمهم و في المقابل يبذلون جهدهم لتخفيف آلامنا.. هكذا كانت جودي بالنسبة لي، لطالما لجأتُ إليها إذا ضاقت بي الدنيا فكانت لي خير سند. في الحقيقة، خلف كل ابتسامةٍ قصّةٌ يجهلها أصدقاؤك أو زملاؤك مهما كانوا قريبين منك.. لا يكفي أن تدّعي القوة إن كنت تشعر بالضعف، قد ينهار كل شيء فجأة لأن الحِملَ أثقل مما تستطيع أن تتحمل.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now