24

13 4 0
                                    

أُقرّ بأنني أشعر بالفراغ.. في داخلي فجوة كبيرة لا يستطيع ذلك الشخص ملأها مهما حاول. لقد كان طوال هذه المدة السّبب الرئيسيّ في ما أعانيه لذلك كلّما اقتربت منه شعرت بحزن شديد.. مجرّد وقوفي أمامه يجعلني أشعر بالأسى على أمّي.. بقائي بجانبه يعني أنني قمت بخيانتها، و لا أريد أن أخونها أنا أيضا.

تصبح ذاكرتي ضبابية و مشوشة في كثير من الأحيان لكن هذا لا يعني أنني لا أتذكّر تلك التفاصيل التي أدّت إلى انهيار أسرتنا بتلك الطريقة المأساوية. ذكرياتٌ سعيت جاهدة لمحوها و التخلص منها، لكنها تعود بمجرد رؤية صورته في التلفاز أو في أحد ملصقات الانتخابات.

أجلس خلف مكتبي أتأمل شاشة الحاسوب بتفكير مشوّش.. أشعر بوخزٍ في قلبي كرمح يخترق صدري على غفلة مني، فيعيدني الألم إلى الواقع. أحاول التركيز على عملي، أحمل الملف الذي أمامي و أقربه إليّ، أقرأ الصفحة الأولى بصوت خافت ثم أضع الملف جانبا. أنظر للشاشة مجددا و أنقر على الفأرة، نفس الملف يُفتح أمامي بنسخته الالكترونية لكي أقوم بإجراء التعديلات اللازمة عليه.

فقدت تركيزي ثانية و رحت أفكر في آخر لقاء لي مع والدي، بدأت يداي ترتعشان و أصبحتا باردتين و خدرتين حتى صرت لا أستطيع الشعور بهما.. وقفت من مقعدي و سرت بشكل دائري داخل غرفة مكتبي، لكن من دون جدوى. لقد كان توتري يتضاعف أكثر مع مرور الوقت.

خلال دقائق تلقّيتُ رسالة من داني يخبرني فيها أنه أمام مبنى الشركة و يسألني إن كان بإمكاني النّزول حالا. حملت حقيبتي و خرجت مسرعة من مكتبي، مطأطئة رأسي بينما كنت أكتب ردّا على رسالة داني، و لم أنتبه للشخص القادم نحوي فاصطدمت به.

"عذرا، لم أ..." عُدت خطوة للخلف و رفعت رأسي لأعتذر فالتقت عيناي بعينيّ وائل الذي كان واقفا أمامي فجأة مرتديا سروال بذلةٍ أسود و قميصا أبيضا بأكمام مثنية و مرفوعة نحو الأعلى تكشف عن ذراعين قويتين و وشمٍ صغير بشكل قوس و سهم على رسغه الأيمن. كان شعره أشعث و غير مرتّب تماما و تبدو عليه علامات القلق و التوتر. كان يبدو كمن تشاجر مع أحدهم ثمّ ركض مسرعا إلى هنا.

"هل كلّ شيءٍ على ما يرام؟" سألته مباشرة بعد رؤيته بهذا الشّكل، لكنه ابتسم و لم يجب على سؤالي.

"هل أنت ذاهبة لتناول طعامك؟"

"أجل، لقد..."

"لنذهب معًا. هناك أمر مهمّ أريد أن أحدثّك بشأنه." قاطعني وائل قبل أن أكمل كلامي، ثم استدار و مشى أمامي قائلا "اتبعيني"

سرت خلفه بهدوء حتى وصلنا للمخرج الرئيسي للمبنى، حيث التقينا داني الذي كان ينتظرني هناك منذ عدة دقائق. تقدم داني نحونا و ألقى التحية على وائل، ثم سألني إن كنت بخير.

وقفت بين الشابين و أنا في حيرة من أمري، لم أعرف كيف أخبر وائل أن داني قد دعاني على الغداء ليلة أمس و لم أعرف كيف أخبر داني أن وائل يريد أن يكلّمني في موضوع ما على الغداء... بينما وقفت هناك أفكر في الأمر تكلّم وائل "لقد وصلتَ في الوقت المناسب. لنذهب!"

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Nơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ