44

4 2 0
                                    

[روبي]

لقد كان ذلك مشهدا مرعبا بالفعل.. مشهد لم أتوقّع رؤيته أبدا حتى إن شككت و لو قليلا أنه قد يحدث يوما ما. لماذا قد تُقدِم جودي على فعل شيء كهذا؟ لا أنكر أنها كانت تمر بأوقات صعبة و على الرغم من مظهرها الهادئ و كتمانها لِما كانت تشعر به، فقد كانت تحاول بصمت و بشكل يائس أن تطلب المساعدة على طريقتها الخاصة.

تسمّرت في مكاني و سرحت بتفكيري بعيدا و لم انتبه من غفوتي حتى رأيت رائد يرمي بنفسه خلفها. ركضت نحوه بسرعة و بخطوات غير ثابتة حتى وصلت إلى حافة الجرف و وقفت هناك في ذهول.. لمحت هاتف جودي ملقى على الأرض فجثوت و حملته، ثم نظرت إلى الأسفل. كانت المسافة بعيدة جدا و لم أستطع رؤية أي منهما.. رفعت رأسي نحو السماء و تمنيت أن يخرج الإثنان سالمين.

رنّ هاتف جودي في يدي، نظرت تلقائيا لأتفقد اسم المتصل فظهر اسم سالي على الشاشة. ماذا عساي أقول للفتاتين عند عودتي للبيت بدون جودي؟ ماذا سيحدث إن لم تنجو؟ لقد كانت جودي مصدر قوتنا و بهجتنا و كنا جميعا نعتبرها قدوة لنا و نتطلع دائما للأوقات التي تقضيها معنا. كنتُ إذا نفذت مني الحلول أتّجه إليها لأحصل على دفء العائلة الذي أفتقده كثيرا. نظرت للهاتف مجددا ثم فكرت في كم ستحزن سالي إن أصاب جودي أي مكروه فقد كانتا مقربتين جدا من بعضهما.. حينها قررت عدم الرد على اتصالها.

انتظرت مطولا و راقبت المحيط من الأعلى عسى أن يحدث أي تطور في عملية البحث. حضر الكثير من الأشخاص من طرف الرئيس و اتجهوا مباشرة نحو القوارب و اليخوت المخصصة للإيجار الراسية على الشاطيء.

عدت إلى السيارة و جلست هناك أترقب ما قد يحدث.. وضعت هاتف جودي بحرص على المقعد و بدأت أفكر في طريقة ما لنقل الخبر لكلّ من سالي و ليندا. ستغيب الشمس خلال ساعة و سيبدأن في القلق عليها إن لم تعد إلى البيت فورا.

حملت هاتف جودي مجددا و بدأت في كتابة رسالة نصية

[إلى سالي: سأتأخر في العودة إلى البيت. لا تنتظريني.]

ترددت كثيرا حول إرسال هذه الرسالة لـ سالي.. بعد فترة من التفكير مسحتها و أعدت الهاتف مكانه.

سيحل الظلام قريبا و سيختفي كل أمل في إيجاد جودي و إنقاذها.. أسندت رأسي على المقعد و أغمضت عيناي، انهمرت دموعي لا إراديا و غرقت في حزن عميق.. لأول مرة في حياتي أشعر بمثل هذا اليأس.. حتى دعواتي توقفت و لم يعد هناك تناسق بين عقلي و قلبي الذي كان يخفق بعنف.

صوت سيارات الإسعاف تقترب من الشاطئ أعادني إلى الواقع.. هذا يعني أنهم قد وجدو جودي بعد بحث طويل. خرجت مسرعة من هناك و ركضت نحو الشاطئ. اقتربت القوارب ببطء ثم رست و ترجل أتباع الرئيس.

"أين هي جودي؟ هل هي بخير؟" سألتُ أحدهم. نظر الشاب نحوي باستغراب لذلك أخبرته أنني صديقتها و أنني أنا من اتصلت بالرئيس لطلب المساعدة.

"لقد وجدها رائد بعد بحث طويل. كلاهما فاقد للوعي الآن." أجاب الشاب باختصار ثم انظمّ للآخرين.

قام المسعفون بنقل كلّ من جودي و رائد  إلى سيارات الإسعاف و قبل أن يغادروا، صعدت على متن إحدى السيارات رفقة جودي.

"هل أنت أحد أفراد عائلتها؟" سأل أحد المسعفين.

"أنا صديقتها و طبيبتها الشخصية. يجب أن أكون بجانبها."

أغلق المسعف الباب و انطلقنا نحو المستشفى.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن