57

17 2 0
                                    

[رائد]

لم يكن هناك وقت لنضيعه في هذا المكان، لذلك حرصت على نقل جودي و روبي إلى أكثر الأماكن أمانا. هناك الكثير من الأمور التي أريد مناقشتها مع جودي، لكنها لم تكن تبدو بخير. راقبتها من خلال مرآة السيارة من حين لآخر، هدوءها و صمتها في هذا الوقت يجعلني أتوتر و أتمنى لو أنني استطعت قراءة أفكارها.. لم تشح نظرها عن النافذة طوال الطريق و لم تشح روبي نظرها عن صديقتها.

من النادر رؤية جودي مجرّدة من ابتسامتها الخجولة التي تقابل بها الجميع خلال يوم عادي داخل الشركة أو حتى عند تعاملها مع أي شخص في أحد المطاعم أو المحلات، تلك الابتسامة الساحرة التي تبثّ الأمل في قلب من يراها.. لقد راقبت جودي لوقت طويل حتى صرت أعشق هذه التفاصيل الصغيرة فيها و أرغب في التقرب منها.

من الجيد أنه لم يتبعنا أي أحد إلى هنا.. ركنت السيارة داخل المرآب و أغلقت الباب خلفنا بواسطة جهاز التحكم. ترجلنا جميعا و صعدنا على السلالم نحو غرف النوم.

"خذي جودي إلى غرفتها و اعتني بها جيدا." أمرت مدبرة المنزل التي قامت بتحضير الغرفة مسبقا قبل مجيئنا إلى هنا.

"أين نحن الآن؟" سألت روبي بعدما غادرت جودي مع مدبرة المنزل.

"منزلي.." أجبت باختصار. "اجلسي،" أشرت إلى الأريكة.

"منزل جميل.. يبدو أن الرئيس يدفع رواتب جيدة لحراسه.." أردفت روبي بابتسامة تحمل في طياتها خليطا من السخرية و الفكاهة.

"ألن تقومي بعملك؟" قلتُ و خلعت قميصي لأكشف عن جسد مغطى بالكدمات. "علبة الاسعافات الأولية في الحمام هناك." و أشرت نحو الرواق المؤدي إلى غرف النوم.

عادت مدبرة المنزل إلى البهو بسرعة مما أثار قلقي. دخلت المطبخ ثم خرجت و هي تحمل كوبا من الماء.

"هل كل شيء على ما يرام؟" سألتها باستغراب.

"أجل سيدي." ثم أسرعت نحو غرفة جودي مجددا.

لم يطمئن قلبي لذلك تبعتها، فتحت باب الغرفة و سرت خطوتين فقط إلى الداخل حيث صار بامكاني سماع حديثهما.

"آنستي، لماذا لا تستريحين قليلا؟" كانت مدبرة المنزل شابة في نفس عمر جودي.

لم أسمع ردّ جودي، لذلك خطوت نحو الأمام لكي أراها. كانت تقف أمام النافذة و تتأمل الفضاء كما تفعل دائما، لكن بعمق أكثر من ذي قبل. احتواها السّكون و نور الشمس الخافت الذي يشع من النافذة الغربية فاكتسبت هالةً ملائكية.. استدارت جودي فجأة فالتقت عيناها بعيناي، لم يكن هذا متوقعا، شعرت بالتوتر و بالكاد قاومتُ فكرة الهرب من هناك.

حاولت تمالك أعصابي أمامها و تقدمت نحوها بشكل عادي.. على عكسي، لم تبد جودي أي ردود فعل لرؤيتي هناك. رمَقَت مدبرة المنزل بنظرة امتنان و أخذت كوب الماء من يدها ثم جلست على حافة السرير.

"هل أنت بخير؟" سألتها و قد كنت على بعد بضع خطوات منها إذ منعني التّوتر من التّقدم أكثر.

"أنا من يجب عليه أن يسألك هذا السؤال.. هل تأذيت هكذا بسببي مجددا؟" نسيتُ تماما أنني لم أكن ارتدي قميصي. لقد رأت جودي ذلك دون قصدٍ منّي و سيجعلها هذا الأمر تشعر بالسوء لأجلي ثم ستلوم نفسها لما حصل لي..

"هذه مجرد إصابات طفيفة.. لا تقلقي بشأني." لم أجد الكلمات المناسبة للتخفيف من شعورها بالذنب.

"أنا آسفة.. لأنني انهزامية. آسفة لتعريض حياتك للخطر مرتين على التوالي."

أردت أن أصرخ 'لماذا تطأطئين رأسكِ؟ لماذا تعتذرين؟ هذا ليس خطئك أنتِ!' لكنني لم أملك الشجاعة الكافية لمواجهتها بكل شيء.

"ارتاحي الآن.. سنتحدث لاحقا." لا أستطيع البقاء هناك لمدة أطول فقد أفقد السيطرة على مشاعري في أيّة لحظة، و لم يكن الوقت مناسبا لذلك.

خرجت مسرعا من تلك الغرفة، كمن يهرب من شيء مخيف يخشى مجابهته.. كانت روبي في انتظاري في بهو المنزل حيث كنا جالسين سابقا و علبة الاسعافات الأولية على الطاولة أمامها. استمرّت في التحديق بي حتى جلستُ على الأريكة المجاورة، لكنها لم تقل أي شيء. حملتُ قميصي و ارتديته ثانية.

"هل غيرت رأيك؟ ألا تحتاج إلى خدماتي؟" قالت روبي ممازحة.

"آه، لقد نسيت.. آسف." كنت مشوّش التفكير حقا و بدت تصرفاتي غير طبيعية. خلعت القميص مجددا و اقتربت من روبي لكي تقوم بعملها.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now