33

8 4 0
                                    

[وائل]

استفقت من نومي فجأة لأجد نفسي وحيدًا في غرفة الفندق. استلقيت لبرهة دون حراك، كنت منهكا بالرغم من القيلولة و جسدي يتصبب عرقا مع أن درجة حرارة الغرفة معتدلة. نهضت من مكاني بصعوبة و خلعت قميصي الذي التصق بجسمي المبلل بالعرق. وضعت القميص جانبا و استلقيت مجددا. أعترف أنني لم أكن على ما يرام منذ الأمس لذلك نمتُ بعمق و لم أنتبه عندما غادر داني الغرفة. بحثت عن هاتفي و أجريت اتصالا، كان صوت داني غريبا عندما ردّ على المكالمة. ظننت للوهلة الأولى أن مكروها ما قد أصابه، لكنّه سرعان ما أخبرني أنه كان يتجوّل في الخارج و سيعود فورا.

كان جسدي يؤلمني بشدّة، ربما بسبب جلوسي في السيارة لعدة ساعات، منذ مساء البارحة حتى صباح اليوم. في بداية الرحلة، لم أكن أنوي القيادة لمدة طويلة، لكنّني تعاطفت مع داني الذي كان يبدو متعبا للغاية. على الرغم من أنه لا يتوجّب عليه إجهاد ذراعه الأيمن بسبب إصابة قديمة فإنه لم يطلب مني أبدا أن أقود بدلا عنه. تجاهلتُ الألم الذي شعرت به و ذهبت للاستحمام. كنت أعتقد أنني سأشعر بتحسّن بعد حمام دافئ لكنّني كنت مخطئا.

بعد مدّة قصيرة خرجت من هناك مرتديا رداء الحمام و حاملا في يدي منشفة لأجفّف بها شعري. فور دخولي الغرفة لمحتُ داني الذي كان جالسًا على الأريكة منشغلا بهاتفه.

"لقد عدتَ بسرعة!"

بدا منغمسا جدا في ما كان يفعله حتى أنه تفاجأ عندما سمع صوتي. نظر نحوي باستغراب "لماذا تبدو متعبا؟ ألم تنم جيدا؟"

"بلى، لقد نمتُ بعمق.."

"خُذ! ارتدِ هذه.." قال داني و رمى لي كيسا بلاستيكيا أبيض.

"هل ذهبتَ للتّسوق؟" سألتُه ممازحا

"كلّا، لكنني اشتريت بعض الأغراض التي نحتاجها فقط."

"لديك ذوق رائع في اختيار الملابس" قلتُ بعدما فتحت الكيس و تفقدت محتوياته.

غيرت ملابسي و استلقيت مجددا على السرير، نظرت عبر الغرفة حيث كان داني مستلقيا على الأريكة بطريقة غير مريحة و غارقا في أفكاره. شعرت بالغرابة لرؤية داني صامتًا هكذا، فهو في العادة كثير الكلام و الحركة كالاطفال تماما.

قد لا نبدو كذلك، لكنني و داني صديقان منذ مدة ليست بقصيرة. منذ ثلاث سنوات تقريبا، التقيت و داني بالصدفة في حفلة نظّمتها مديرة شركتنا. بالإضافة إلى كونه رجل أعمال معروف على المستوى الوطني، كان داني أيضا سبّاحا أولمبيا حائزا على العديد من الميداليات. تخلّى بعد ذلك عن ممارسة السباحة بسبب الإصابة التي تعرض لها على مستوى الكتف، و استثمر كل وقته في تطوير مشاريعه و زيادة ثروته.

كانت علاقتنا سطحية لحدّ ما منذ ذلك الوقت لكنّنا كنا نلتقي بين الحين و الآخر لمناقشة أمور البورصة و الأعمال أو حتى لقضاء وقت ممتع معا بعيدا عن مشاكل العمل. صرنا نلتقي كثيرا مؤخرا بفضل شراكتنا الجديدة و كذلك لأن كلينا مهتم بـ جودي.

"هل هناك ما يشغل تفكيرك؟" بدا لي و كأن شيئا ما قد حدث مما جعله هادئا على غير عادته.

"لا.. مطلقا." أجاب داني ثمّ أضاف، "استرح الآن لأننا سنغادر هذا المساء."

"حقا؟ ماذا عن سبب مجيئنا إلى هنا؟ هل.." قام داني بمقاطعتي قبل أن أكمل كلامي.

"لقد التقيتُ بها.." قال داني ثم سرد لي ما حدث بالتّفصيل.

"لم تكن جودي قد تجاوزت الثانية عشر عندما حصل كلّ ذلك.."

لقد كان صمته المفاجئ منذ عودته مبرَّرًا، إذ دلّت كلماته هذه عن مقدار حزنه و أسفه لما حدث لـ جودي آنذاك و أيضا لعدم قدرته على مساعدتها حينها.

رنّ هاتفي فجأة فحملته لأتفقد محتوى الرسالة، لكن كمًّا هائلا من الرسائل و صل بعد ذلك. صار الأمر مزعجا إلى أن جعلتُ الهاتف على الوضع الصامت.

"ما كلّ هذا؟" سأل داني الذي كان لا يزال متكئا على الأريكة.

"هذه رسائل من غرفة الدردشة التي يستعملها عمال الشّركة لمشاركة الأخبار فيما بينهم.." أجبتُ بعد أن تحققت من الأمر. "سأرى ما الذي يحدث هناك أولا.."

"حسنا.. أرجو أن يكون كل شيء بخير."

[نادين: هناك موظّف جديد في الشركة! هل رأيتموه؟

سام: طبعا. لقد اجتمع بالمديرة مساء الأمس و تم تعيينه فورا.

لينا: هذا هو الشاب الوسيم؟

*صورة*

نادين: أجل! في أي قسم يعمل؟

شهد: إنه يعمل معنا. رأيته يتبع جودي صباحا.

نادين: هل أنتِ متأكدة؟

شهد: أجل. اسأليها بنفسك، ألستِ صديقتها؟

نادين: بلى.]

أغلقتُ غرفة الدردشة و أنا أحاول استيعاب الأمر.

"ماذا هناك؟" سأل داني الذي لاحظ الحيرة على وجهي.

"يبدو أن المديرة قد قامت بتعيين موظف جديد في الشركة من دون علمي.. يبدو هذا مريبا!"

"و ما المريبُ في الأمر؟"

"في العادة يمرّ ملف المترشحين عبر العديد من المراحل قبل التعيين لكي تتم دراسته جيدا. و لا يتم التّعيين إلا إذا كان هناك مناصب شاغرة في أحد أقسام الشركة و التي يعلن عنها مسبقا. لكن المديرة خالفت كل هذه المعايير و عيّنت هذا الموظف فقط بعد اجتماعها به مساء البارحة."

"أعتقد أنك محقّ.." جلس داني على الأريكة محاولا استيعاب المعلومات التي كنت أخبره بها.

"أجل.. و لقد شوهد في الشركة صباحا و هو يتبع جودي."

"كم الساعة الآن؟" وقف داني من مكانه و بدأ في ترتيب المكان و جمع أغراضنا المنتشرة في الغرفة

"إنه منتصف النهار تقريبا.. لماذا؟"

"لنغادر الآن." قال بحزم، ثم أضاف "أعتقد أن والد جودي وراء تجنيد هذا الموظف الجديد."

"أنت محق.." وقفت أنا أيضا و ساعدته في الترتيب.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now