حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]

25

كل ما في الأمر أنه يحاول شرائي بأمواله. هكذا اعتاد والدي على كسب أصدقائه و مؤيديه.. عندما نفذت منه الخطط لاستعادتي، أراد شراء ولائي ببعض العقارات و الحسابات البنكية.

وضعت الملفات المتعلقة بعقود تحويل الملكية جانبا و عدت للعمل على الحاسوب. حاولت أن لا أفكر في هذا الأمر كثيرا لهذا شغلت نفسي بالعمل حتى تجاوزت السّاعة الخامسة مساء.

حملتُ أغراضي و غادرت المكتب و في طريقي نحو المصعد قابلت نادين التي سارت إلى جانبي بهدوء على غير العادة..

"هل أنتِ بخير؟" سألتُ دون النظر إليها.

"امم.. أجل." أجابت نادين باختصار، لكنها كعادتها لم تستطع التزام الصمت طويلا.

"رأيتكِ تخرجين من الشركة اليوم برفقة وائل.." أضافت فجأة ثمّ توقفت.

"أجل، لقد أراد مناقشة أمر ما.."

"آه، حسنا.. هل تناولتما وجبة الغداء معا؟" سألت نادين.

"أجل، لقد كان ذلك بمثابة غداء عمل حيث اجتمعنا بشريكنا الجديد أيضا."

"هكذا إذا!" كانت ردة فعلها مضحكة جدا، لم تعد متوترة كما كانت و استعادت حيويتها الطبيعية و ابتسمت..

كان هناك نوع من الارتياح يسود نبرة صوتها الآن و كأنها اكتشفت حل لغز محير. بحكم معرفتي بنادين فأنا موقنة أنها زارت أو كلّمت كلّ 'محبي النميمة' في كافة أقسام الشّركة لتكتشف سبب خروجي مع وائل اليوم، حتّى أنها كانت ستموت من الفضول إن لم تعرف ماذا حدث..

نظرتُ إلى السماء التي كانت زرقتها تميل إلى اللون الرمادي باتّجاه خط الأفق.. إنه يوم جيد للمشي! من الجيد أنني أرتدي أحذية مريحة يوميا خاصة الآن في فصل الربيع حيث يكون الجو منعشا مساءا.

سرت على طول الشارع بخطى ثابتة بينما كنت لازلت أفكر في ما فعله والدي. أحكمت قبضتي على حقيبتي حيث خبأتُ عقود التنازل.. أحسستُ بالحزن  و الذعر فجأةً لأن كل ما يحدث يجعلني أدرك كم أرغب في الاحتفاظ بحريتي أو ربّما استرجاعها.  حريتي هذه قد تكون باهظة الثّمن أو حتّى أغلى بكثير من كل ما أملكه.

أعلم في قرارة نفسي أنه يراقبني من مكان ما، ربما أحد جواسيسه يسير خلفي دون علمي أو ربما هو شخصيّا.. في تلك اللحظة أيقنت أن الحرّية التي أحاول حمايتها هي مجرد كذبة.. كيف استطعت خلال كل هذه السنوات إقناع نفسي أنني مستقلّة كليا عن هذا الشخص الذي دمّر حياتي؟ لقد كان دائما يتبعني كظلّي، حتى أنه استطاع الولوج لمكتبي اليوم دون علمٍ من أحد.