52

8 2 0
                                    

[رائد]

تجمدّت كل حواسي و لم أعد أعقل ما يدور من حولي، فكرة واحدة كانت تطوف باستمرار داخل عقلي و هي كيف يمكنني أن أنقذ جودي. سبحتُ لمدة طويلة باحثا عنها وسط محيطٍ لا متناه من الأمواج العاتية.. كنت منهكا كليّا حين وجدتها و استسلمت للتعب بعد إنهاء مهمتي في إيصالها إلى المركب.

حين عدت لوعيي كنت مستلقيا على سرير المستشفى بثيابٍ لم تجفّ كليا بعد و ألمٍ حادٍّ في كتفي و في أماكن متفرقة من جسدي. جلست بصعوبة و لم أستطع الوقوف مباشرة بسبب الدوار.. بعد برهة أتت ممرضة شابة و بدأت تهتم بجراحي. لازلت أشعر بالأمواج تحيط بي و تدفعني تارة و تجذبني تارة أخرى، كان قلبي يخفق بشدة و صوتٌ داخل رأسي ينادي اسم جودي باستمرار..

صوت خطوات تسير نحوي سحبني من فوضى أفكاري إلى الواقع. كانت تلك روبي، علامات القلق الباديةِ على وجهها انتقلت إليّ بسرعة خيالية مما جعلها تطلب من الممرضة المغادرة. جلست أمامي على الكرسي الذي كانت تجلس عليه الممرضة منذ لحظات و بدأت في تعقيم جراحي بيديها المرتجفتين. سألتها بعد أن نفذ صبري عن حالة جودي لكن جوابها لم يكن مقنعا.. أو ربما لم أكن لأقتنع حتى أراها بنفسي. عندما انتهت روبي من لف الضمادات حول كتفي و بقية الإصابات الطفيفة على جسدي، ذهبنا معا إلى حيث ترقد جودي.

رؤيتها بهذا الشكل جعلني أندم على كثير من الأمور.. كانت جودي تُبقي مسافة بيننا لأنني عميل لدى والدها و لعدم معرفتها لنواياي الحقيقية تجاهها. لو أنني أخبرتها أن الهدف من تواجدي معها هو فقط حمايتها و ليس مراقبتها و التجسس على حياتها الشخصية كما كانت تعتقد.. لو تجرّأت و اعترفت لها أنني كنت أراقبها منذ سنة و بذلت جهدا مضاعفا كي أنال ثقة الرئيس و أستلم مهمة حمايتها.. لو أخبرتها أنني سأفعل أي شيء لأراها سعيدة حتى لو اضطررت للهرب معها إلى أبعد مكان في العالم.. هل كانت ستثق بي و تدعني أقوم بعملي؟ هل كانت ستبادلني نفس الشعور؟

جلست في انتظار تحسّن حالتها إذ لم يكن بيدي أي شيء سوى الانتظار. حين امتلأ الرّواق بأتباع الرئيس، تولّت روبي زمام الأمور و تعاملت مع الوضع بسلاسة. حين غادر الجميع و ساد الهدوء ثانية، عدتُ إلى الغوص في أفكاري.. و لم أنتبه حين غادرت روبي مع إحدى الفتاتين اللّتين جاءتا للاطمئنان على جودي.

بدأ صوت صفير الآلات يرتفع من غرفة جودي ثم هرع فريق من الأطباء إليها، بدى الوضع أخطر مما كان عليه من قبل و استمرّت حالة الطوارئ لبضع دقائق قبل أن يهدأ الوضع مجددا.

"ماذا حدث؟ هل هي بخير؟" كان سؤالي موجها لأحد الأطباء الذي غادر الغرفة أولا، نظر هذا الأخير نحوي و طلب مني أن لا أقلق. عندما بدأت أفقد أعصابي، أتت روبي راكضة نحونا و تحدثت إلى الطبيب ثم شرحت لي ما حدث..

"عليك أن تهدأ يا رائد! ستكون جودي بخير، ثق بكلامي."

"لكن.."

"أنت تحتاج للرعاية أيضا. سأحجز غرفة لك لكي ترتاح." قاطعتني روبي ثم أضافت "هذه ليندا صديقة جودي أيضا، و هذه سالي و هي بمثابة الشقيقة الصغرى لجودي."

من المريح أن تتشارك آلامك و أحزانك مع الآخرين، هذا يجعل شعورك بالوحدة ينجلي و يتكون لديك شعور غريب بالانتماء، شعور لم تألفه لأنك أمضيت حياتك كلها وحيدا. كان الحزن واضحا على كلتيهما، جلستا جنبا إلى جنب و لم تتكلم إحداهما إلا للضرورة.

"هل كنت هناك أيضا؟ أخبرني ماذا حدث أرجوك." اقتربت مني سالي حين غادرت روبي المكان و جلست إلى جانبي.

"أجل.. لقد كنت هناك.." تجنّبت النظر إليها لأنني علمت مسبقا عن مدى تعلّقها بجودي و كيف سيكون تأثير نظراتها عليّ.. لا أريد أن أضعف الآن بينما تحتاج جودي و صديقاتها كلّ الدّعم و المساندة التي يمكن تقديمها. "لقد كان مجرد حادث بسيط.. لا تقلقي، كل شيء سيكون بخير."

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now