50

9 2 0
                                    

[ليندا]

جلستُ و روبي في صمت لبعض الوقت.. أردتُ إخبارها بكل ما أعرفه منذ زمن طويل لأنها قادرة على المساعدة، لكنّني لم أرغب في إفشاء أسرار جودي، أما الآن فهذا هو الوقت المناسب لفعل ذلك.

تعود بي الذاكرة للوراء حيث التقيتُ جودي لأول مرة و تحدثنا و نمنا معا تحت سقف واحد. كانت أجواء الاحتفال تسود المدينة حينها، شارعا شارعا و بيتا بيتا، إلا تلك الغرفة الصغيرة التي تقطنها جودي بمفردها. حين نفذت مني السّبل في إيجاد مكان آمن لقضاء الليلة، لمحتُ الفتاة الغامضة من كلية الحقوق تقترب من موقف الحافلات بخطوات واثقة و سريعة. ترددت قليلا في التحدث إليها، خاصة أنها هادئة دائما و وحيدة و لا تكلم أحدا داخل الكلية أو خارجها. ركبنا الحافلة معا و نزلنا في نفس المحطة أيضا.. كان الجو باردا جدا في المساء إذ شارفت الشمس على الغروب و لم أستطع تحمل البقاء خارجا لوقت أطول.

تقدمت نحو جودي عند باب البناية و استوقفتها. طلبتُ المبيت في غرفتها فلم تتردّد في القبول. اكتشفتُ حينها أنّني كنت مخطئة بشأنها.. أعجبتُ بشخصيتها و طيبة قلبها على الرغم من هدوئها المخيف و هالة الكآبة المحيطة بها. طلبت مني أن أتبعها إلى الأعلى ففعلتُ، ثم سرنا على طول الرواق المظلم نحو غرفتها. فتحت جودي الباب و دخلنا، أشعلتِ النور فصارت تضاريس المكان أكثر وضوحا، دعتني للجلوس على الأريكة ففعلتُ بسرور.. كانت الغرفة دافئة على الرغم من مظهرها الكئيب، كل شيء مرتّب بشكل جيّد، ستائرٌ و أغطية سرير رمادية اللون و أريكة من الجلد الأسود تتوسط الغرفة و مكتبٌ من الخشب الأسود بالقرب السرير فوقه أكوام من الكتب. كل هذه الألوان القاتمة جعلت الغرفة تبدو أنيقة لكنها أيضا توحي بنوع من الحزن الذي تشعر به جودي و لا تفصح عنه.

كانت هذه أول ليلة أقضيها مع جودي و أيضا بداية صداقة طويلة دامت لعدة سنوات.. بمجرد التفكير في حالة جودي الآن أتوتر و أفقد تركيزي. اعتدلت في جلستي و حدقت بروبي التي كانت تنتظر بصبر لتعرف ما حدث حينها.

في تلك الليلة، نامت جودي أولا فقد كانت تبدو متعبة منذ التقيتها هذا المساء. في الغد، استقيظتُ باكرا و خرجت لاقتناء بعض الخضراوات و الحليب الطازج، ثم عدتُ لأُعِدّ الفطور. انطلق صوت المنبه من هاتف جودي فاستيقظت، قامت من فراشها و حملت أغراض الحمام و بدأت تجهز نفسها.. انطلق جرس المنبه ثانية فذهبت لأوقفه بنفسي، عندما حملت هاتف جودي واتتني فكرة. كتبتُ رقم هاتفي و ضغطتُ زر الاتصال، حين ظهر رقم جودي على هاتفي قمت بتسجيله. فور خروجها من الحمام جلست معي إلى الطاولة لكنها لم تأكل شيئا، سلمتني نسخة من مفتاح الغرفة ثم غادرت مسرعة بعد لحظات. 

واصلتُ الاتصال بشريكتي في السكن لكنها لم تجب.. ربما أرادت قضاء كل أيام العطلة مع عائلتها لهذا توقفت عن الاتصال بها. لم أخرج من الغرفة طوال اليوم، قمت بترتيب المكان و مشاهدة التلفاز و تناول الأطعمة السريعة حتى حلّ المساء. شعرت بالملل قليلا فقمت لتحضير وجبة العشاء.. تأخرت جودي في العودة إلى البيت لذلك اتصلت بها. لقد كان حصولي على رقمها فكرة جيدة بالفعل. تجاوزت الساعة العاشرة ليلا و لكن جودي مازالت مشغولة، مخافة أن تنزعج مني لم أسألها عما كانت تفعله حتى ذلك الوقت المتأخر. جلست على الأريكة في انتظار عودتها على الرغم من أنها طلبت مني أن لا أفعل ذلك.

لم أرغب في النوم لكنني غفوتُ رغما عني و حين صحوت كانت جودي قد عادت للبيت بالفعل، كان معطفها ملقى على الأرض و حقيبتها كذلك، نظرت حولي و لم أرى جودي في الغرفة. طرقت باب الحمام عدة مرات لكنها لم تجب.. فتحتُ الباب و دخلتُ فتفاجأت برؤيتها فاقدة للوعي هناك. بدت كجثة هامدة للوهلة الأولى فصرخت من شدة الفزع، ثم اقتربت منها ببطء و تأكدتُ من أنها لازالت تتنفس. حينها اتصلت بالاسعاف و تمّ نقلها لغرفة الطوارئ.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن