26

16 4 0
                                    

[وائل]

شعرت من خلال ما حدث بالأمس أنه يجب عليّ أن أتحدث مع جودي و أرى إن كانت واقعة في مشكلة ما أو إن كان بإمكاني مساعدتها.

سمعت داني يهمس لها قبل رحيلها مع سائقه الشخصي بأنه سيأتي لرؤيتها اليوم على الغداء، لذلك قررت أن لا أضيّع المزيد من الوقت وأذهب للقائها أولا.
في طريقي إليها رأيتها تخرج من مكتبها مسرعة و قد كانت تنظر لهاتفها ثمّ اصطدمت بي و كادت توقع الهاتف على الأرض.
خرجنا معا من هناك بحجة أنني أريد مناقشة أمر مهم معها. لم تحتجّ جودي و لم تعارضني، حتى أنها لم تعتذر بسبب موعدها المسبق مع داني. لكن لسوء حظي كان داني واقفا أمام المبنى عندما خرجنا من هناك و انظمّ إلينا فورا.
حاولت أن أخفي إحباطي و لم أتذمّر من وجوده هناك حينها بل تعمّدت أن أدعوه للمجيء معنا. و لأنني علمت مسبقا سبب مجيئه، فاتحته في الموضوع فور دخولنا المطعم. كانت جودي معنا بجسدها فقط أما عقلها فقد كان غائبا تماما، لذلك تناقشت أنا و داني في الموضوع من دون قيود.
لم تمرّ ربع ساعة حتى احتدم النقاش بيننا و أوشك على التحول إلى نزال.. عندما بدأت أصواتنا تعلو، استفاقت جودي من شرودها و وبختنا ثم غادرت.
"هل سنتركها ترحل هكذا؟" سأل داني فجأة.
"ماذا؟ لا.. لنلحق بها!"
ركضنا وراءها بسرعة و لكنّها كانت قد وصلت إلى الطرف الآخر من الشارع.. رأيتها تعبر الطريق دون التأكّد ما إن كان آمنا أم لا.. عبرَت وسط السيارات المسرعة و كأنها كانت لا تزال شاردة الذهن آنذاك كما كانت عندما كنا في المطعم.
لحقنا بها فورا و اعتذرنا عن الخطأ الذي اقترفناه.
"نحن آسفان حقا عما بدر منا هناك.." قال داني متحدثا عن كلينا.
كانت لا تزال تنظر إلينا بعتاب لكنها توقفت عن توبيخنا.
"حسنا.. لا بأس." قالت باختصار و كأنها هكذا بهذه البساطة قد تغاضت عما وقع، أم أنها فقط لا تبالي؟
كالرّمال التي تنساب من بين أصابعنا و لا نملك القدرة على إمساكها بإحكام، انسابت جودي بهدوء و سلاسة عائدة إلى عملها بينما بقيت هناك مع داني.
"تبا! لقد فشلنا فشلا ذريعا يا صديقي.." تنهد داني و قال بحرقة.
"أعلم ذلك.. لم تتسنى لنا الفرصة للتكلم معها حول حادثة البارحة." لقد كنت محبطا بالفعل، كلانا كنا كذلك.
نظر لي داني و ابتسم "لقد واتتني فكرة!"
"ما هي؟ تكلّم!" تحمست للأمر حقا و لم أستطع إخفاء حماستي.
"أعتقد أن مديرة شركتكم على علم بما يحدث.. لماذا لا نسألها؟" اقترح داني فكرته عليّ.
"فكرة سديدة!" قلت مباشرة. "تعال معي." أمسكتُ بيد داني و سحبته للداخل.
كان سام جالسا خلف مكتبه كالعادة حين طلبتُ منه أن يخبر المديرة أنّني و السّيد داني نرغب في رؤيتها.
خلال فترة وجيزة كنت أنا و داني في الداخل و كوبين من القهوة الساخنة أمامنا.
"هل هناك مشكلة فيما يخص الشراكة التي عقدناها مؤخرا؟" نظرتِ المديرة إلينا من خلف زجاج نظاراتها الغليظ.
"لا، أبدًا. لقد أتينا اليوم من أجل أمر شخصيّ.." كان داني متوترا لكنه بدا في غاية الثّقة عندما أجاب على سؤال المديرة.
"و ما هو هذا الأمر الذي جلبكما إلى هنا معًا؟"
"نريد أن نسألكِ بعض الأسئلة.." بدأتُ أشعر أن هذه الفكرة ليست ذكية كما اعتقدت سابقا. "نحن فقط مهتمان بشخصية المرشح الأول للانتخابات الرئاسية و نرغب في معرفة بعض الأمور عنه." واصلتُ على الرغم من التّردد الذي شعرت به.
"و ماذا تريدان أن تعرفا؟" سألت المديرة مجددا.
"كيف هو كإنسان قبل أن يكون شخصية سياسية معروفة؟ هل هو شخص جيد؟" سأل داني بعدما تغلب عليه فضوله.
"أنت تعرف جيدا أن هذا سؤال صعب.. لا يمكنني أن أحكم على شخصيّة السيد أمجد فقط من خلال علاقتي العملية معه." خلعت المديرة نظاراتها و وضعتها على المكتب أمامها، وقفت من مقعدها و سارت بضع خطوات نحو النافذة، ثمّ استدارت نحونا بهدوء و قالت "أعتقد أنني أعرف السبب الحقيقي لمجيئكما هنا اليوم."
كلانا يعلم أننا كُشفنا لكننا التزمنا الصّمت و لم نقل شيئا.
"حسنا.." تكلّمت المديرة مجددا. "منذ ثلاثين سنة، كان السيد أمجد شخصا عاديا لكنه كان ماكرا لأقصى الحدود. لم يكن يملك شيئا مطلقا، حتى أنه كان يعيش مع عائلته في بيت كانت تملكه زوجته آنذاك." سارت المديرة نحونا و جلست على الأريكة بيني و بين داني ثم قالت بنبرة منخفضة "أنا أثق في أنكما ستحتفظان بالسّر، لذلك سأخبركما بكل شيء أعرفه.. لكن أريد أن أحذركما أولا، مهما كان ما سيحدث مستقبلا، لا تقفا ضدّ هذا الشخص أبدا! إنه أخطر مما تتصوّران."
بثّت كلماتها تلك الرعب في قلبي.. هل الشخص الذي تتحدث عنه المديرة هو نفسه المرشح المحبوب ذو الشعبية الكبيرة و الذي سيصبح رئيسا للبلاد خلال أقل من شهر؟
"وائل يا بنيّ.. أنت تعلم كم أثق بك و كم أحبك على الرغم من كل الأمور التي حدثت.. عدني أنك لن تورط نفسك في المتاعب مع هذا الشخص." كانت المديرة في حد ذاتها مرعوبة مما أثار فضولي أكثر.
لطالما كانت علاقتي مع المديرة جيدة و لم تفسدها حتى الخلافات التي حدثت بيني و بين ابنتها.. و كلماتها الآن كانت نابعة من قلب أمّ خائفة على ابنها..
"أعدك.." لم أكن واثقا فعلا إن كنت سأفي بهذا الوعد، لكني أردتها أن تخبرني المزيد عن هذا الموضوع.
"فضائح السيد أمجد كانت تملأ الصحف منذ بداياته في عالم السياسة، لكنه كان دائما يجد طريقة ليبدو مظلوما و يصبح بطلا شعبيا بين ليلة وضحاها. إنه شخص ماكر جدا.."
"لقد بحثتُ في ماضيه لكنني لم أجد شيئا واحدا سيّئا عنه، كلّ المقالات التي قرأتها تذكره كشخصية إيجابية و فعالة في المجتمع.. كيف حدث ذلك؟" سأل داني فجأة.. يبدو لي أنه قام ببعض الأبحاث البارحة كمحاولة لمعرفة ما حدث بين أمجد و ابنته خلال الحفلة.
"هذا لأنه يملك خدما مخلصين في كل مكان.. لقد كانت المقالات المسيئة له تختفي خلال 24 ساعة بدون أثر و تستبدل بمقالات إيجابية و أخبار مزيفة تجعله يبدو في عيون العامة قدوة يُحتذى بها." اعتدلت المديرة في جلستها محاولة الاسترخاء فقد كان يبدو عليها التوتر.
"لماذا لا تغادران الآن؟ سنواصل حديثنا هذا لاحقا. لديّ اجتماع مهم لا يمكن تأجيله." قالت المديرة فجأة و حثتنا على الخروج من مكتبها.

حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]Where stories live. Discover now