حكايات منتصف الليل [Midnight Tales]

51

[جودي]

لا أريد أن يعيد التاريخ نفسه، لا أريد أن أرى العالم مجددا.. كل ما أريده هو الرحيل لأنّ المزيد من هذا العالم سيجعلني أفقد عقلي.

"لقد تشاجرت مع صديقتي و قررت الانتقال للعيش معكِ." قالت ليندا و هي تقوم بفتح الباب بالمفتاح الذي أعطيتها إياه. كانت تحمل حقيبتي على كتفها و في يدها كيس المشتريات التي ابتاعتها في طريقنا إلى هنا.

حين استيقظتُ لأول مرة بعد محاولتي الفاشلة في الانتحار، كانت ليندا نائمة على الكرسي الخشبي بالقرب من سرير المستشفى. من الغريب رؤية أي شخص يتنازل عن راحته و ينتظرني بصبر و إصرار و بدون مقابل. لم أقل شيئا طوال فترة إقامتي هناك، بقيت على طبيعتي الهادئة بينما كانت هي أيضا على طبيعتها، مفعمةً بالحياة.

مر أسبوع على تلك الحادثة و كانت ليندا تزورني في المستشفى كل يوم و تعتني بي.. جاءت اليوم و جلبت لي بعض الملابس النظيفة، و أخبرتني أنني أستطيع المغادرة معها. كانت تتكلّم كثيرا و تبتسم أكثر على الرغم من أنني لم أُبدِ أيّ ردود فعل و لم أشاركها في الحديث.

ألقيتُ نظرة سريعة على غرفتي التي بدت مختلفة جدا عما كانت عليه حتى اعتقدت للحظة أننا دخلنا الغرفة الخطأ. قامت ليندا بتغيير الديكور و استخدام ألوان زاهية أكثر و استبدال الأريكة السوداء بواحدة أكبر و إضافة سجادات صغيرة من الفرو الناعم.

"استلقي على السرير الآن. سأعود فورا." قالت و اتجهت نحو الثلاجة.

أصبح اللّحاف و أغطية الوسائد وردية اللون و الستائر أيضا.. جلست على الحافة في صمت حتى ذهبت ليندا لتحضير الطعام. لم تكن لي رغبة في البقاء هناك، لكن لم يكن بيدي حيلة سوى الرضوخ لها و فعل ما تطلبه مني. استلقيت هناك و حدقت في السقف لبعض الوقت حتى بدأت ليندا تتكلم مجددا.. كنت أنصت إليها لأنها تكسر هدوئي رغما عني لكنني لا أجيبها فلا طاقة لديّ لفعل ذلك.

"لقد جلبت لكِ المحاضرات التي فاتتك خلال الأسبوع الفارط.. لقد وضعتها على مكتبك، تفقديها لاحقا." قالت ليندا ثم عادت لعملها دون أن تنتظر مني جوابا.

أين أنا الآن؟ لا أعلم بالضبط. كل ذكرياتي تظهر أمامي و تختفي في لمح البصر.. طفولتي، حكايات منتصف الليل، حياة الريف رفقة جدتي، حياتي التعيسة في المدينة بعد انتقالي مباشرة، والدي،... كل هذا يشكل حِملا ثقيلا يضغط على صدري فأصبح غير قادرة على التنفس مهما حاولت.