|||02|||

3.1K 208 35
                                    


نعيق غراب أيقظها من سُباتها لغرفة مُضاءة أكثر عما تركتها ما منحها وهم طلوع النهار.

الطائر الأسود كان فوقها تماما على هيكل السرير، يُحرّك رأسه بفضول كي يتمعّن فيها بعينيه الحالِكتين. نُهوضها أفزعه وجعله يُرفرف مُبتعدا ليحطّ على حافة إحدى النوافذ المفتوحة، مُواصِلا مُراقبتها.

«أول كائن حيّ أراه في العالم السفليّ وهو مصدر إزعاج عظيم».
تمتمت آسترايا لنفسها بينما تُدلّك جبينها كي تُخفف الصداع الذي جلبه لها صوته الصاخب.

وكردّ على كلامها، أصدر نعيقا أصخب ثم حلّق خارجا كما لو أنها آذت مشاعره -وربّما فعلت.

بقيت بمفردها مع أفكارها أخيرا لذا يُفترض أن تبدأ بالانهيار والصراخ مُطالِبة بالعودة لحياتها، لكنها لا تُريدها لتلك الدرجة. ماذا بقي لها في العالم الأرضيّ؟ حتى توأم روحها لا تُريده فهو يُذكّرها بذنبها في قتلِ حبّها الأول، الشخص الذي غيّر واقعها من روتين حديقة مملّ إلى مغامرات ملكيّة ورحلة حول العالم. وذئبتها قد غادرتها منذ غطست في بركة النيريد ولا مجال لها لتُشوّش تفكيرها.

تنهّدت نفسا طويلا وسمحت لدمعتين بالانسياب على خدها.

«ماذا أفعل الآن؟».
سألت الفراغ ثم عادت للاستلقاء على ظهرها وحدّقت في السقف الزجاجيّ.

السماء خارجا كانت حالِكة السواد لا تُميّز فيها سحابة واحدة، ما ضخّم شعور آسترايا بالضياع كمن يغرق دون أن يعرِف متى موعد موته أو إنقاذه.

بقيت على تلك الحال مدة لم يهمّها طولها، إلى أن رأت خيطا من النور متّجها نحوها بسرعة فائقة ثم اصطدم بالسقف في قنبلة من الضوء جعلتها تُغمض عينيها من شدّتها.

عاد نعيق الغراب مجددا، أكثر حدّة من ذي قبل، وحين فتحت بصرها كان كل شيء قد عاد لطبيعته السابقة.

لم تملِك أدنى فكرة عما حدث للتوّ. ما كان ذلك النور وماذا حدث له؟ وما دور الغراب المزعج؟

«نيكسون...».
نادت بنبرة خافتة غير آملة أن يظهر أمامها فعلا.

«نعم، آسترايا؟».
تجسّد مُتربّعا على السرير تطفو خلفه خصلاته وأطراف أثوابه السوداء تُقاوم الجاذبيّة.

رفعت نفسها مُتفاجئة ومنبهرة من وجوده وطاقته ثم هزّت رأسها كي تُركّز على البحث عن إجابات -أو هدف لها.

«ماذا حدث قبل قليل؟».
مُشيرة بسبابتها للأعلى.

«كانت تِلك روحا انجذبت لكِ».
فسّر ببساطة.

«إذا هكذا يتم الأمر؟ أجلِس هنا وأجذِب الأرواح فقط كمصيدة مضيئة للحشرات؟».
كلماتُها جعلته يقلِب عينيه على مدى تصويرها للأمر تافها.

«كفّ عن قلب عينيك، ذلك مستفز للغاية!».
نطقت مُنزعجة فـرد فعله ذاك يُشعرها بأنها طفلة مزعجة -وهي كذلك في نظره.

سِيلا ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن