|21|

17.1K 1.5K 317
                                    


النيران الحارّة التي كانت تسرِي في عروقه وتشلّ حركته قد خمدت أخيرا وخفّت معها آلامه. المكان حوله كان ساكِنا على عكس المرّات التي استعاد فيها وعيه لبضعة لحظات ليسمع جزءً من حديث زائريه.

آخر ما سمِعه هو خبر إعتقال صديقه، لا يدري لأية تهمة لكن عليه الإسراع لإنقاذه كما يفعل هو دائما.

ثِقل رأسه أعاق نُهوضه فحرّك رجليه إلى حافّة السرير دون أن يفتح عينيه خوفا من أن تزداد حِدّة صُداعِه. زحف بجسدِه ثم وقف ببطء كي لا يشعر بالدوار إلا أنه انتهى به المطاف على البِساط الكثيف جاثيا يُقاوم الألم والغثيان حتى لا يفقِد الوعي مجددا.

بين ضوضاء نبضات قلبِه الصاخِبة تمكّن من التقاط صوت انفتاح بابه ثم خطوات سريعة نحوه.

«جلالتك! ما الذي تفعله على الأرض؟ يجب أن ترتاح!».
تحدّثت فيولين بنبرة قلِقة وحاولت مُساعدته ليعود إلى السرير.

«دعيني هنا للحظة».
بأنفاس مُتقطّعة وصوت مبحوح ردّ عليها فجلبت له كوبا من الماء ووضعتهُ على شفتيه بما أنه لم يفتح عينيه بعد.

السائل البارِد أنعشه فطلب آخرا وسكبه على وجهه ليُجبِر جسمه على الاستيقاظ.

أول ما استقبله كان الملامح المِثاليّة لخطيبته وابتسامتها الدامِعة لعودته لها بأمان. ارتمتْ في حضنه وتشبثت به بإحكام مُطلِقة العنان للألعاب المائية التي بللت قميصه.

«لا داعي للبكاء، أنا بخير».
طمأنها وربّت على رأسِها كما عادته فتذكّر أن قيامه بذلك سابقا قد آذى خادِمته المُفضلة، النجمة -بل النعامة- التي أدّت به غيرتُه عليها إلى هذه الحال.

«أين لِيونار؟».
سأل ميكا بعد أن كفّت الأميرة عن رِثائه فتيبّست أطرافُها، الأمر الذي أثار ريبته وبث فيه التوتّر.

«فيولين. ماذا حدث لـ ليونار؟».
أمسَك بكتفيها وأجبرها على النّظر إليه.

«أنا آسفة! لم أقصد أن يحدُث ذلك، فقط أخبرتُ أبي بما وقع عندما دخلتَ في الغيبوبة. لم أعلَم أنّه سيَتّهم لِيو أيضا ويأمُر بإعدامه مع المذنبيْن».
شهقتْ وعادت للبكاء بحرقة على صدرِه.

«ماذا؟! أين هو الآن؟».
دفعها ووقف بحركة خاطِفة لتطغى على رؤيته بُقع سوداء لمدة وجيزة.

«إنه في الحديقة الملكية، منصة الإعدام موضوعة هناك».
أسندته حتى لا يقع مجددا وسارت معه إلى الشرفة المُطِلّة على الحديقة.

في منتصفها كانت منصة خشبية تعتليها ثلاث مقصلات وتحت شفرة كل منها وُجِد رأس صديقه، خادمته والثعلب الأبيض.

كاد يقفِز إليهم لولا أن تشبثت به فيولين خوفا عليه من الوقعة من الطابق الثالث. صوتُه خذله فلم يستطع الصراخ لإيقاف ما يحدُث، لكن سِيلا نظرت إليه كما لو أنها شعرت بنظراتِه عليها بينما انسابت دموع دامِية من عينيها المُماثِلتين. المشهد ذكّره بالليلة التي أخبرها فيها أنه لا يُمكن لهما أن يكونا معا، كلام ندِم عليه حين رأى بُهتان الضوء في عينيها وسمِع الشهقة المُنكسِرة التي انفرجت عن شفتيها.

سِيلا ✓Where stories live. Discover now