|03|

24.7K 1.8K 228
                                    

تلك الرائحة اللاذعة التي أزعجتها من نومها، جعلتها تنتفض تاركةً فراشها الدافئ لتبحث عن مصدر الحريق.

تفقّدت الكوخ بأكمله لـتُدرك أن الرماد الذي اشتمّته كان آتيا مع الريح التي دخلت من نافذة غرفتها.

صعدت للسطح ليكون لديها منظر من نقطة عالية فاكتشفت أنّ المدينة التي لا تبعُد عنهم بكثير تحترق بأكملِها...

«لا...!».
همست بصوت مرتجف وهي تُفكّر في كل الأسباب التي قد تُشعِل حريقا بذاك الحجم.

أوّل ما خطر ببالها هو هجوم من اللايكان أو الساحرات بحثا عنها فـعاد الخوف يجري في عروقها، خاصة الآن وهي برفقة جدتها. لا تُرِيد لها أن تتأذى أبدا وحتما ليس بسببها.

رفعت نظرها للسماء آمِلة أن يُعطِيها القمر إشارة ما لـتعرف ما عليها فعله في موقف كهذا، لكن الغُيوم أخفت نوره وجعلت الليل حالكا تماما.

لم تُرِد تضييع الوقت في التفكير بينما قد يكون اللايكان الآن يتقدّمون نحوها، لذا أسرعت إلى غُرفتها ووضعت الشعر المُستعار الأشقر والعدسات اللاصقة ثم انطلقت نحو المدينة وقلبُها يضُخّ رُعبا بدل الدمّ.

صوت الصراخ تبادر إلى مسامعها حين اقتربت فركضت كالرّيح لتصل لما بدا مشهدا منقولا من الجحيم.

ألسنة اللهب تتناول كُل الأبنية دون استثناء، السّكان متشتتون يُحاولون الهرب في كل الاتجاهات ومجموعة في ملابس غريبة يسيرون بينهم وكأنهم في جولة في المتنزّه بل وبعض منهم يبتسم لمنظر الدمار حوله.

كانوا يبحثون عن شيء أو شخص ما، كما يبدو من نظراتهم التي تلتقط وجه كل شخص يمُرّ بجانبهم، وبأيديهم جميعا سلاح من نوع ما. سكاكين، سيوف، مسدسات، فؤوس... كلها تلمع بلون ذهبيّ عاكسة النيران المُحيطة بهم.

تسمّرت سِيلا في مكانها تُحدّق بذهول وقلة حيلة، فما الذي في وسع شابة لا يُمكنها التحوّل إلى ذئبتها أن تفعله وسط هذه الفوضى؟ بما كانت تفكّر حين قررت القدوم إلى الخطر بإرادتها!؟

«لا يُمكنهم أن يعرفوا أنها أنتِ، لنبحث عن أناس يحتاجون المساعدة ونحرص على ألا يتجه الأشرار صوب جدتي.. حسنا!».
تحدّثت مع نفسها لتزرع فيها بعض الشجاعة ثم اندفعت نحو طِفل بدا تائها قبل أن يتمكّن منها التوتر وتتراجع عن قرارها.

أسكتت بُكاءه وحملته بين ذراعيها تُنادي باسم أمه الذي أخبرها به. على بُعد شارع لا أكثر وجدت المرأة وقد أصابتها هستيريا حين لم تجد صغيرها.

«خذي ابنك واخرجا من المدينة!».
صاحت سِيلا فوق الضوضاء التي طغت على سمعها ثم استعملت سترتها لتُطفئ النار التي نشبت في ظهر أحدهم.

استمر الوضع على تلك الحال لبعض الوقت إلى أن صدر عواء جماعيّ توقف معه الزمن لدى سِيلا.

سِيلا ✓Where stories live. Discover now