المقدمة

55.5K 2.2K 268
                                    


~قبل ١٢ سنة~

«لِم لا تخرجُ سيلا لتلعب معنا يا أبي؟».
تكلّمت ذات الخمس سنوات، رِيا، وهي تحدّق في والدها بعينين بلون البحر الهادئ بينما ارتسم العبوس على وجهها.

ابتسم وِيل لـصغيرته مُخفِيا عنها الألم الذي وخز صدره من كلماتها البريئة، يجرحُه ويجرح كبرياؤه كرجل أن يفشل في توفير حياة آمنة لابنته البِكر لكنه يُحاول بكل ما أوتي أن لا يجعلها تشعر بالاختلاف عن أيّ لايكان آخر من بني جنسها.

«شقيقتكِ حسّاسة للشمس، تؤذيها أشعتها كثيرا لذا لا تخرُج أثناء النهار. بإمكان صغيرتاي أن تلعبا داخل المنزل».
ردّ عليها بعد أن حملها لِتجلس على ركبته.

«لكِنّ ماما لا تُحبّ أن نُحدِث الفوضى...».
أخرجت رِيا شفتها السّفلى وازدادت تجاعيد عبوسها لِيُربّت والدها على شعرها الذهبيّ ويطبع قبلة على خدّها الورديّ.

«لا تقلقي بشأنِها، سأُشغلها بينما تستمتعان».
أضاف غمزة لها بعد أن وعدها في همسة فانطلقت الصغيرة تركض باتجاه أختِها التي كانت تقف خلف الزاوية تتصنت على حديثهما آملة أن يُسمح لها بالخروج.

«سيلا! سيلا! لنلعب في المنزل! أبي سيُشغِل ماما».
همستْ الجملة الأخيرة دون أن تفهم معناها بعدما كانت تصرخ قبلا وأمسكت بيد الأخرى لتَجُرّها نحو غرفتهما.

تنهد وِيل وانخفض كتفاه كأنما استسلم للثّقل على كاهله. إلى متى سيحرِم ابنته من أشياء بسيطة كاللعب مع الأطفال من سِنّها؟ لقد مرّت ثمانُ سنوات بالفعل وهي معزولة تماما عن المجتمع، إلى متى سيستمِرّ الجحيم؟!

«لا تفعل هذا بنفسك».
تسللت يدا زوجته فلور بهدوء حوله بينما كان جالسا على أحد الكراسي.

كونَها توأمهُ الروحيّ -نصفه الآخر- فقد استشعرت الهالة السلبيّة التي تُحيط به والعجز الذي كان يَخنُقه. لذا عادت من الحديقة، أين كانت تجمعُ زهورا وأوراقا تُريها لابنتها، لتُخفّف عن زوجها الوجع في قلبه.

لمستُها البسيطة كانت كفيلة بمُطاردة الأفكار المُظلمة وإزالة سحابة اليأس عنه.

«لا ذنب لنا بما حدث، ولا ذنب لـصغيرتنا بما هي عليه. اللوم يقع على مُجتمعنا الذي لا يتقبّل ما هو مُختلِف ويؤمن بخزعبلات قديمة لا أساس لها من الصحة».
تحدّثتْ بنبرة مُتعبة تحوّلت إلى حاقدة.

يُغضبها ما يحدث لابنتها سيلا، بل يحرِقها ويُشعِل فتيل الرغبة في القتل داخلها لكنها تُحاول التظاهر بالهدوء أمام عائلتها حتى تبقى متماسكة. ليس بمقدورِها فعل شيء سوى الدعاء أن يتحسّن حالهم.

«ملعونون جميعهم!! إلى القمر وما وراءه!».
تمتم حتى لا تسمعُه ابنتاه من الطابق الأول ونهض من مكانه ليسير ذهابا وإيابا في خط مستقيم.

«أنتَ بحاجة لإطلاق العنان لـذئبك قبل أن تفقد السيطرة عليه».
عاتبته فنظر لها بعينين طغا عليهما السواد ثم عادتا للونهما البحريّ بعد أن أغمض جفنيه لثانية.

«وأنتِ أكثر مِنّي».
ردّ ليُذكّرها بمرور أسبوعين تقريبا مُنذ تركت ذئبتها تتجول بِحُرّية.

«من سيَحرس الفتاتين؟».
بدأ القلق يتآكل فلور بِتخيّلها لكل السيناريوهات التي قد تتأذى فيها إحدى بناتها.

«خالتهما فيونا».
اقترح وِيل لتومئ زوجته موافقة فصديقتها المُقرّبة تعرف سر العائلة بحكم أنها ساعدت في إنجاب سِيلا.

في تلك الليلة، خرج الزوجان بيرلايس إلى المحميّة التي يُخصصها قطيعهم من أجل التجوّل بهيئة اللايكان دون خطر إكتشافهم من قبل الصيادين، تاركين ابنتيهما تحت رعاية فيونا ذات المصالح المشبوهة. رغم أن غريزتهما أمْلت عليهما عدم المغادرة.

كـ لايكان، أول ما تتعلمه هو الوثوق بِغريزة ذئبك... لسبب وجيه.

ذلك ما فعلته فلور في منتصف جولتهما الليلية وأقنعت زوجها بالعودة للاطمئنان على الأحوال في بيتهما. التوقيت كان مثالِيّا ليمنعا عمليّة بيع سِيلا لـساحرة ظلام يافعة تود كسب شهرة لامتلاكها اللايكان الأبيض.

انتهى الأمر بقتل الخائنة والساحرة ثم رميهما في بئر مهجورة على حدود أرض قطيعهم حتى لا يُشتبه بـ آل بيرلايس بأية طريقة.

وتمّ إرسالُ سيلا للعيش مع جدتها، في منطقة بشريّة معزولة لا يمتلكها أي قطيع لايكان ولا غيره من الكائنات. ذلك لإخفائها عن الأنظار تماما ومنحها حياةً شبه عادية بعيدا عن الخطر.

لكن كيف نتجنّب الخطر عندما نطرُق بابه؟

----

----

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.
سِيلا ✓Where stories live. Discover now