1- شفرة

21.6K 839 269
                                    

في يَد كلٍ منّا شعلة، تتوقد بهمته، قد يستطيع فيها أن ينير دروب التائهين في الظلام أو أن يحرقها.

في القرن الخامس والثلاثين، اشتعل فتيل الحرب، مُعلنًا في الأفق انتهاء عصرٍ قديم، وبدء آخر، بلانسيا، ذلك الأمل الذي أضاء تلك الدروب.

********

بعد أكثر من ثلاثة قرون، خرج الفتى القصير بولس من منزله مرتديا حذاءه العائم الذي أصبح صيحة من صيحات ذلك العصر، متجها نحو معرض الأفلام ليشاهد أحدث الأفلام الثلاثية الأبعاد.

وعبر الطريق الذي يزدحم بالناس والمباني العظيمة ذات التصاميم الغريبة، حدث نفسه قائلا:" يا إلهي، أتمنى ألا تكون هنا أزمة مرورية" وفي لحظة من الشرود اصطدم بكتف أحد المارة مما سبب بتلطخ بدلة الرجل بمشروب الطاقة الذي كان يحمله.

أمسك الرجل البدين ذو الجسد المترهل قميص بولس وصرخ قائلا:" يا ولد ألا تعلم كم تكلفته؟"

تأمل بولس الرجل السكير الغاضب الذي كان يمسكه باشمئزاز شديد، وقد أقشعر جسده من أنفاسه الكريهة، وأدرك أنه في ورطة، فالذي يوقع نفسه بمشكلة مع سكير، ينتهي أمره بإنفاق كل ما معه من نقود في سبيل التخلص من تلك المشكلة.

توقف المارة للحظات، مُأمِلِينَ أنفسهم بمشاهدة معركة ممتعة بعد يوم ممل قضوه في الترف.

- توقف يا رجل.

صرخ فتى من بين الحضور قائلا: دعه.

نظر ذلك الرجل البدين لذلك الفتى ذو الشعر الأجعد والعينين الرماديتين بعينين تفصح عما بداخله، كانت عيناه تقول للفتى: من أنت يا صغير؟

ابتسم الفتى وأخرج من جيبه شارة ورفعها للرجل وقال: أنا الوريث الشرعي للوزير مايكل بلاك وآمرك الآن بترك هذا الفتى بهدوء وإلا أرسلتك للسجن.

استسلم الرجل وترك قميص بولس وانطلق في حال سبيله.

بعد أن تفرق المارة قال الفتى لبولس: أرى أنك لا زلت تقع في المشاكل، بولس".

نفض بولس قميصه ليمحو التجاعيد التي خلفتها قبضة الرجل ثم التفت نحو الفتى وقال بتساؤل وكأنه قد انتبه إليه للتو: كين؟ ماذا تفعل هنا؟

- متجهٌ إلى معرض الأفلام ماذا عنك؟

- ليس هذا ما أقصد، لماذا أنت في بلانسيا ألم تكن في القارة الشرقية؟

- لقد مللت منها وأخذت تذكرة إلى هنا بالأمس.

- ماذا عن والديك؟

- لا تذكرني بهما الأرجح أنهما لم يلحظا غيابي.

- ولكن، ماذا لو وقعت في المشاكل بسبب هذا؟

تجاهل كين سؤال بولس وقال: لقد وصلنا إلى المعرض لندخل.

********

انتهى الفيلم سريعا وخرج الاثنان من قاعة العرض، بدأ بولس الحديث: كين، هل ترغب في المجيء معي إلى المنزل؟ لقد ربحت قرص ألعاب من سلسلة الأساطير السبعة.

- لا مانع لنذهب.

تجاذبا أطراف الحديث حتى وصلا المنزل وما إن بلغاه حتى فتح بولس الستارة الإلكترونية وجهز مشغل الألعاب.

سأل كين وهو يلاعب ابن عرس الذي يربيه بولس كحيوان أليف: كيف حال كاكاو؟

- كما ترى إنها على أتم صحة، هل تريد جولة قتالية؟

- " كما تشاء، سوف أهزمك على كل حال." قال ممازحا.

- سوف نرى.

لم يستغرق الأمر سوى عدة دقائق حتى صرّح بولس متنهدا بهزيمته.

- ألا يمكنك أن تتساهل أكثر؟ كانت جولة تجريبية.

- مستحيل!

قطع حديثهما صوت غناء شيخ عجوز في الشارع المقابل.

~ جَاءَ صَبَاحٌ بَعدَ مَسَاء ~

~ وَحَّدَ الزَّمَنَ فِي الأَرجَاء ~

~ عَلَى جَنَاحِ طَائرٍ فَي السَّماء ~

~ ومض ضوءٌ من فضاء ~

~ قرع جرسًا في صفاء ~

~ ليوقظ سلامًا بلون العنقاء ~

فتح كين النافذة بقوة صارخا: اصمت، اصمت، اصمت، ألا تعلم أنك لا تملك صوتا عذبا؟ ثم ما هذا الشعر إنه غير متناسق؟

قال الشيخ بهيأته الوقورة: ومن قال إنه شعر؟ إنها شفرة! شفرة مر عليها الزمن وتناستها الأجيال وحيرت الكثير من العباقرة.

هز بولس كتفيه مستهزئا: لقد بدأ يخرف.

- إنها ليست خرافة يا صاحب الشعر الأشقر، إنه لغز قد يتحول إلى شيء يفصل بين الحياة والموت.

كين: وهل سينقذ الفتى المغوار الصغيرة المسكينة، هكذا كانت قصص الأفلام قبل مئات السنين، ليكن في علمك، إن بقيت تردد مثل هذه الخرافات، سينتهي بك الأمر في السجن عاجلا أم آجلا، هيا يا بولس لنكمل اللعب.

بعد أن أغلق النافذة مسح الشيخ الأرض بقدمه للحظات ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: يبدوا أن وقت العودة إلى هناك قد بات قريبا.

********

بلانسياWhere stories live. Discover now