11- مجرد لحظات

3.2K 284 78
                                    


أيام تمر، تصبح سنوات، تمر بك حينًا مواقف تسعدك، وأخرى لا ترحل إلا وقد تركت فيك أثرا عميقا، ولكن أيامك سرعان ما تنقضي، وتنتهي بك كمجرد ذكريات

*******

جلس جميعهم على طاولة الطعام وبدأ الفاروق الحديث قائلا: لقد دمرت المنطقة الوسطى والجنوبية في الساحة وكانوا قد بدأوا الهجوم على الغربية لولا أن العم مروان أوقفهم.

قال بهاء: هل هو في العاصمة؟

أجاب الفاروق: نعم منذ الأمس، لقد أصيب وهو في المشفى الآن.

وقف بهاء وصرخ: ماذا؟

قال الفاروق بحزم: اجلس.

هتف بهاء وهو يشير إلى الباب: سوف أذهب لزيارته.
- سوف يحال للقضاء غدا لفعلته، ولو ذهبت لزيارته سوف يقبضون عليك بتهمة التواطؤ.
- لكن عمي!

ضرب الفاروق بكفه الطاولة وقال: اجلس، بهاء.

سأل بولس وهو يطعم كاكاو بعضًا من الفستق: من هو العم مروان؟

أجاب الفاروق: إنه أحد قادة الحرس في قصرنا.
- ألم يمت في المعركة؟
- لا، لكن قدمه قد بترت.

أراد بولس أن يسأل أكثر ولكنه لم يشأ أن يذكر الفاروق الكثير عن تلك المعركة المؤلمة، المعركة التي شاب لها الولدان.

لاحظ الفاروق حزن بهاء فقال مواسيًا: لا تقلق بهاء، فعندما تستعيد الحكم لن يظلم أحد أكثر.

سأل كين: أهذا يعني أنك لن تستعيد الحكم؟

قال الفاروق: نعم فبعد تلك المعركة أعلن زريب وفاتنا ولذلك إن عدت وطالبت بالحكم فلن يصدقني أحد، أما الورثة فقد أعلنّا وجود بعضهم في المجتمع والآخرون أخفيناهم خشية أن يقتلوا من أمثال زريب فكانت نعمة من الأشخاص الذين أعلنا عن وجودهم أما بهاء فلم نعلن عنه ولذلك لم يقتل ولم تعلن وفاته وإذا عاد وطالب بمنصب أبيه مع الأوراق الإثباتية فلن يقدر أحد على منعه، لكن يجب عليه أن يبلغ سن الرشد أولا.

قال كين: وإذا؟
- وإذا؟؟
- ألن يتغير زماننا بدوره؟
- لا أبدا، سوف أشرح لك، لنقل أن الزمن كان طريقا طويلا وعندما اخترع آلة الزمن تفرع إلى قسمين القسم الأول هو الطريق الأصلي الذي كنت سأعيش فيه لو لم أخترع آلة الزمن أما الطريق الآخر وسنسميه الثاني فهو الطريق الذي سأعيشه ولذلك عندما انتقلتم أنتم عبر الزمن ذهبتم من الطريق الأصلي إلى الطريق الثاني.
- وبعدها؟
- عندما نغير الزمن في الطريق الثاني سنصل إلى نقطة يجتمع فيها الزمنان حيث يعودان إلى طريق واحد مرة أخرى، أفهمت؟ إنه الزمن الموازي!
- ليس تماما.
- حسنا لنقل أن الأشخاص الذين سيعيشون في الطريق الثاني سيبنون بناء زجاجيا بعد خمس مئة عام، والأشخاص اللذين يعيشون في الطريق الأصلي سوف يبنون نفس البناء وفي نفس الوقت، وهكذا سوف يندمج الزمنان معا في أحداث متتالية حتى يصبحان زمنا واحدا.
- أعتقد أنني فهمت.

قال بولس فجأة: ماذا سنفعل اليوم؟

قال الفاروق: لا شيء محدد أنه يوم عطلة.

قال بولس: إجازة بلا ألعاب فيديو، أو صالة تزلج أو حتى معرض للأفلام، ماذا سنفعل إذا؟

قال كين: ألا يمكننا الخروج أبدا؟ يمكننا استخدام أحذيتنا العائمة للتنزه.

أجاب الفاروق: أيها الأحمقان ماذا لو شاهدكما أحد؟ امشيا على قدميكما، قدميكما.

قال بولس: لكن هذا مرهق، لا أحد يفعل هذا في زمننا، آه كم أشتاق للرصيف المتحرك، ولصالة الألعاب، وأيضا للذهاب إلى التسوق أو إلى بركة السباحة، والقطار، والطائرات، ومحل الحلوى، والمهرجانات، الألعاب النارية، ملابسي أيضا آه كم أنا مسكين.

تساءل بهاء: عمّا تتحدث يا بولس؟ هل تهذي؟

قال بولس: لو كنت تعرف عمّا أتحدث لفقدت عقلك أنت أيضا، بهاء.
- هل عصركم ممتع إلى هذه الدرجة؟

قال كين:" هل يمكنك الانتظار للحظة؟" خرج من الغرفة للحظات ثم عاد وهو يحمل حذائه العائم، قال: ارتد هذا كمثال بسيط.

فعل بهاء ذلك فقال له كين: فكر بالمكان الذي ترغب بالذهاب إليه.

مرت لحظة فكر بهاء بالمكان وفجأة بدأ يصرخ: ما هذا؟! إني أتحرك! إلى أين يأخذني ذلك هذا الحذاء، توقف، توقف.

قطع كلامه صوت ارتطامه بأحد الجدران الرقيقة خارج المطبخ.

ضحك الثلاثة عليه قليلا فصرخ بهاء بخجل: " أنتم! لا تضحكوا علي، إن استمريتم بفعل ذلك فعندما أصل إليكم سوف تذوقون المر، آه ما هذا؟ " تعالت صرخات بهاء مرة أخرى مع تعالي الضحكات أيضا.

عندما عاد بهاء إلى المطبخ كانت الكدمات قد ملأت ساقيه، خلع الحذاء بتذمر ثم قال: هل هذا مثال على المتعة يا كين؟

قهقه كين ضاحكا ثم ارتدى الحذاء وقال بنبرة تحد: هكذا تستعمله يا فتى.

تحرك كين عبر الغرف بمهارة وسرعة وخلال لحظات كان قد عاد إلى حيث المطبخ فجلس مكانه بينما كان بهاء جالسا على نفس وضعه وقد أخرسته الدهشة، بعد لحظة بدأ بالضحك، وعندما رأى بولس وكين مظهره المذهول بدآ بالضحك هما أيضا.

أراد الفاروق الاستمتاع معهم أيضا ولكن لوهلة تذكر صورا من تلك المعركة، أكواما من الجثث المجمدة تحت الثلج، وبدى كما لو أن عقله يصرخ، " لا تضحكوا إنها مجرد أيام! مجرد لحظات!"

أبعد تلك الوساوس عن رأسه ثم ابتسم.

بلانسياOù les histoires vivent. Découvrez maintenant