8- لقاء

4K 298 58
                                    


أصدقاء يرحلون للأبد، وآخرون يغرونك بابتسامات زائفة، ولكن مما يضعف ألم الفراق، لقاء جديد.

*******

جلس بهاء على إحدى الوسائد بأدب، كان بهاء يملك شعرا كستنائيا كثيفا وناعما يصل إلى كتفيه وعينان زرقاوان ذات رموش طويلة، وكان يرتدي جلبابا أزرقا مزخرفا من دون أكمام على طراز يشبه الطراز الذي يلبسه كين وبولس، ويصل إلى ساقيه مع رداء أحمر طويل على كتفيه وحزاما من الجلد وأسورة ذهبية عريضة على ذراعه مع خنجر على ظهره.

قال بولس بنوع من الغبطة: محظوظ.

سأله كين عن سبب قوله ذلك فأجابه: إنه ابن أحد الأساطير السبعة، ألا ترى؟

قال بهاء بغموض: عليك أن تشكر الله لأنك لست مثلي، فليس عليك أن تعاني.

دهش بولس من قول بهاء ولكنه فضل الصمت على أن يسأله عن مقصده.

افتتح كين الحديث قائلا: ما هو الموضوع الذي تريد أن تناقشنا فيه؟

قال الفاروق: كما ترون، سيكون اليوم أول يوم لكما في العالم الخارجي ولهذا أريد أن أخبركم بعدة أمور، أولا، لا تخبرا أحدا بأسمائكما الحقيقة، كين سيكون اسمك أوس من الآن فصاعدا، أما أنت يا بولس فهو سراج.

بدا أن كين لم يعجبه الاسم وبدت عليه علامات الامتعاض، سأل بولس: ماذا عن كاكاو؟

فكر الفاروق ثم قال ملوحا بيده: لا أدري سمها ما شئت.

قال بهاء: ما رأيكم بـبوح؟

قال بولس: لا بأس لقد أعجبني.

نظر الفاروق إلى بهاء للحظات بنوع من الريبة ثم تابع حديثه: لا تخبرا أحدا من أين جئتما، وإذا سألكما أحد قولا له أنكما من معارفي وأنكم أتيتم من قرية تدعى الأسر في شمال العاصمة وقد عشتما مع شخص يدعى وائل، احفظا هذا.

سيدلكما بهاء على الأماكن التي يمكنكما الذهاب إليها والأماكن التي يجب أن تحذروا منها وأيضا الأشخاص الذين يجب أن تحذروا منهم.

أومأ كين برأسه بينما كان يفكر أن بهاء قد يكون شخصا يستحق الثقة ثم عرض عليهم أن يذهبوا فورا، فلم يمانع أحد.

*******

وصل الثلاثة إلى ساحة البلدة حيث بدت بعض المحلات القديمة وبعضا من المحلات العصرية وبينما عرضت السلع تارة على واجهات زجاجية وتارة أخرى على طاولات خشبية مكشوفة، مشى الثلاثة في وسط الساحة وبدا أن بهاء شخص معروف في أوساط ذلك المجتمع، حيث كان يحيي بعض الباعة تارة وتارة كان يساعدهم.

قال بهاء عندما وصلوا إلى أحد الأطراف المتهالكة في ساحة التسوق: هذه المنطقة حيث تباع السلعات الرخيصة ولكن عليكم بالحذر من اللصوص المنتشرين في هذه المنطقة.

سأل كين: أهناك لصوص؟

قال بهاء: نعم، الكثير منهم، في الحقيقة أنا شبه متأكد أنهم أرسلوا بأمر من زريب، أو أن بعضهم كذلك، لم تكن الأوضاع هكذا عندما كان الحكم في يد عمي الفاروق وأصدقائه، على الرغم من أنني لا أذكر الكثير لكنني متأكد تماما من ذلك، لقد كان الجميع يعيش بسلام.

قال بولس: لا تقلق عندما تستعيدون الحكم سنعود إلى بلادنا وتنتهي المشكلة، بهاء؟ هل أنت مســ. مسـ.. ما كانت تلك الكلمة مستـــ..

همس بهاء: نعم أنا مسلم ولكن لا تتحدث عن ذلك هنا، فأعوان زريب منتشرين في المنطقة إضافة إلى اللصوص، وهم يعتقلون أي شخص يتحدث عن الإسلام.

سأل بولس : لماذا؟
- يقولون، أنه من الإرهاب.

قام بهاء بالاتجاه بهم نحو منطقة بدا سكانها من ذوي الطبقة المرتفعة.

أراد كين أن يقول شيئا، ولكن بهاء أمره بالسكوت ثم قال بهمس: هنا، كل كلمة لك محسوبة عليك، عليك مضاعفة الحذر أضعافا هنا، فمقارنة بالنسبة البسيطة من أعوان زريب في منطقة التسوق تلك، يمكنك القول إن الجميع هنا منهم.

توضح الفرق بين العصرين لدى كين، وأيقن إيقانا تاما بأن خوري أنطوان خان، لم يكن شخصا جيدا أبدا، وبدا كما لو أن التاريخ كان يكذب.

التصورات التي تكمن داخل عقل كين، لا يمكن لأي إنسان إدراكها، فهو يرى الحقيقة، الحقيقة الكامنة في ذلك الترف وما تخفيه تلك الأقنعة الباسمة التي يرتديها أولئك الأغنياء.

" جميعهم يتظاهرون" فكر كين في نفسه وبدأ بالتذكر، تذكر قصر والديه، تذكر قلق والده وتوتر أمه، ثم تذكر تعابيرهم الباسمة المنمقة التي يظهرها وجهيهما كلما خرجوا من ذلك القصر أو كلما زارهم أحد، كانوا يتظاهرون بالسعادة أمام الجميع ويبديانها وقت ما يشاءان كما لو أنها ثوب يمكن تبديله في أي وقت، وكانوا يتصرفون بالأموال كما لو أن السماء تمطر ذهبا عليهم، أما هو فقد كان محاطا بالخدم من كل جانب، وصيف، مصمم أزياء، ماشط، الكثير والكثير منهم.

ولم يكن يعلم أحد، مقدار التعاسة التي يعيشها والديه، أو عدد الشجارات التي لا تحصى ولا تعد.

أمسك بهاء فجأة بيدي بولس وكين وانطلق راكضا لإحدى الزوايا، مما سبب انقطاع حبل أفكار كين وصراخه: انت! ماذا تفعل؟

وصل بهاء إلى أحد الأزقة واحتمى خلف أحد الجدران ثم قال: انتما أنظرا هناك!

أشار نحو الشارع الذي كانوا فيه منذ لحظات حيث كان ميس وحيدر يسيران فيه!

قال بهاء: تلك الفتاة تدعى ميس، وقد تدربت على يد زريب ذاته منذ كانت في الثالثة عشرة، وهي تقاتل باستخدام الخناجر! إنها تلقب بالقط البري!

أما الآخر ذو الشعر البندقي فهو حيدر وهو قناص بارع جدا، قد يقضي على دب بطلقة واحدة، يقال إن كل من واجه هؤلاء الاثنان لم ينج من الموت، فهما " كتيبة زريب الخاصة"!

استدار بهاء ثم قال: لنعد إلى المنزل، لم يعد المكان آمنا.

فكر كين في نفسه قائلا: أعتقد أنه قد اشتبك معهما يوما.

*******

بلانسياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن