6- عاصفة من عناء

5K 374 87
                                    

قد يطرق العناء بابنا يوما، وقد تطرقه السعادة يوما آخر، ولكن ماذا سيحدث لو قتل أحدهما الآخر أمام عينيك؟

*******

قال الفاروق بصوت يشوبه الألم: " تلك كانت حياتي وحياة أصدقائي وحياة الشعب، ولكن..." أطرق برأسه قليلا ثم قال والإصرار يملأ عينيه:" لم نكن ندري عمّا يحدث حولنا، فقد ظهر شخص، شخصٌ قلب حياتنا رأسا على عقب، شخص لم يكن يحمل في قلبه مثقال ذرة من رحمة أو عطف، ذلك الشخص يدعى" زُرَيْب"، كان زريب شخصا شرسا، شخص طغت عليه صفات العنف والنموذجية، كان ساديا."

جاء زريب إلى عاصمة دولتنا يوما متنكرا بلباس داعية صالح مع طفلة وشاب ليخدماه في عمله، وياليتهم لم يأتوا.

فقد بدأوا في نشر صفات الإسلام الخاطئة للعامة سرا خطوة بخطوة، حتى نجح في ارتداد الكثيرين عن دين الإسلام وردع عدد أكبر من الدخول فيه، حتى بدأت الثورة.

هطل الثلج مبكرا ذلك العام وكأنه يعلن تجمد الأيام الجميلة مع بدء هطوله، وفي ليلة عاصفة هاجم الشعب القصر، وتلاشت سنوات حياتي السعيدة أمام أسوأ ليلة مرت علي في حياتي، حيث قتلت زوجتي أمامي أمام عيني واضطررت أنا ونعمة للهروب تاركا أصدقائي وأبنائهم وراء ظهري.

مشيت مسافة لا أعلم مقدارها تلك الليلة وكنت أحمل نعمة على ظهري تارة، وتارة أخرى أدعها تمشي في ذلك البرد القارص، حتى لجأنا إلى كهف كنا قد اعتدنا أنا وأصدقائي اللقاء فيه قبل أن نصبح ملوكا، ولم نمكث به إلا قليلا حيث وصلنا رسول من أصدقائي يحمل خطابا يفيد بأن أصدقائي في مأزق وأنهم بحاجة إلي في أسرع وقت.

لم أملك الوقت للتفكير، فتركت نعمة مع ذلك الرسول واتجهت إليهم وحين وصلت وجدتهم يقاتلون ببسالة أمام جنود لا حصر لهم بجيشهم القليل المكون منهم ومن بعض الرجال الذين نثق بهم.

تلك الليلة لم نستطع فعل شيء فقد كانت معركة صعبة حيث أخذت الإصابات النفسية والجسدية منا مأخذها ومع البرد القارص غلبت الكثرة الشجاعة حيث قتل الجميع واحدا تلو الآخر، أما أنا فغبت عن الوعي.

ومع بزوغ الشمس هدأت العاصفة قليلة واستيقظت متعبا، ثم عدت أجر أذيال الخيبة إلى حيث تركت نعمة، ولم أكد أصل حتى استقبلتني مفاجأة أخرى.

وجدت الرسول مقتولا ونعمة تعاني من الحمى الشديدة.

أسرعت وأخذت نعمة إلى أحد المشافي متنكرًا، وانتظرت نتيجة التشخيص على أحر من الجمر، وما إن ظهرت النتيجة حتى واجهت صدمة أخرى.

فقد نطق الطبيب بكلمات مفاجأة لازالت ترن في أذني، فقد قال: سيدي، ابنتك قد تم تسميمها وقد عجزنا عن معالجتها، اعتذر ولكنها ستموت خلال أيام قليلة، أكرر اعتذاري.

قال بولس: ولماذا لم تمت نعمة حتى الآن؟

- في أحد الأيام وفي وسط اليأس تذكرت أن أحد أصدقائي قد دلني على إحدى النباتات التي تنبت في قصره وقد كان يسميها بــ" الحبة السوداء" فذهب نحو القصر وأخذتها سرا، ثم بدأت بجعل نعمة تأخذ القليل من بذورها كل يوم حتى زال الخطر، ولكن الحمى مازالت تعاودها من حين لآخر كما ترون، وللأسف لم أنجح في جعلها تستيقظ من غيبوبتها، وها قد مرت ست سنوات، اختفى فيها الإسلام سريعا من دولة بلانسيا، وأصبحت الدولة تسير على خطوات العالم القديم، وهذا مالم نكن نريده، إن زريب يفسد كل ما بنيناه فإن استمر الوضع على هذه الحال فبعد خمس مئة عام كحد أقصى أخرى سوف يفسد هذا العالم وتقوم الحرب من جديد، ثم سيعيد التاريخ نفسه سوف يموت الكثير ويشرد الكثير ويمرض الكثير.

بلانسياWhere stories live. Discover now