32 - عالمي

2K 195 71
                                    

بلاد غرقت في ظلام دامس، غرقت في الوحل وفي ملذات الحياة، رأى سكانها من الحصى الماسًا لامعًا، فهبوا إليه متجاهلين تلك الكفوف المنبسطة، التي أتت محاولة إخراجهم من ذلك النعيم الكاذب.

*******

في اليوم الذي تلا النقاش الكبير، غادر كين القرية بينما بقى بولس وحيدًا هناك.

كان بولس يجلس في باحة القرية يراقب السكان، فاجأه جواد بصراخه فجأة في إذنه.

ارتعب بولس وقال ممسكًا أذنه: ماذا تفعل؟

قال جواد رأيتك وحيدًا فأردت مواساتك.

ضحك بولس وداعب فرو كاكاو قليلًا وقال: مدهش! بالتفكير في ذلك هذه أول مرة أبتعد عن كين منذ وصلنا إلى هذا الزمان.

دهش جواد وقال: عفوًا؟ من كين؟

أدرك بولس ما قاله وقال: أخفتك الآن صحيح؟ لقد أعدت دينك.

قال جواد: سراج؟ من أين أنت؟

قال بولس: أنا؟ أنا كنت عبدًا منذ ولدت.

قال جواد: لا تخدعني سراج.

دهش بولس وقال: ماذا تقصد؟

أمسك جواد كف بولس وقال: هذه ليس بكف عبد، إنها رقيقة، يد لم تعتد على العمل الجاد يومًا.

ابتسم بولس وقال: أصبت، أنا لست عبدًا.

جلس جواد وقال: إذا من أين أنت؟

قال بولس وهو يتأمل في كاكاو التي أخذت تلعب على الأرض بالرغم من رياح الخريف الباردة التي جمدت أطرافه: أنا من عالم، لا وجود فيه للصحبة، ولا للعائلة، ولا للحب، ولا للحنان، هنالك يغرق الناس في الظلام الدامس، هناك.. تفرق الشمل، هناك يئست حتى أصبحت كمن بلا حياة، عالم فسيح إن نظرت إليه، ولكن إن عشت هناك فستدرك أنه بحجم الكف لا غير، في ذلك العالم، هناك التقيت بـ.. أوس.

قال جواد بهدوء متفهمًا: وهذا العالم، أهو هنا؟ في بلانسيا.

قال بولس: يمكنك القول إنه بلانسيا نفسها.

قال جواد: لكن بلانسيا ليست كما تقول، بلانسيا بنيت على الروح، لم تهتم يومًا بملذات الحياة هذه.

قال بولس بحزن: ليس في عالمي، ليس هناك.

- أين يقع عالمك بالضبط؟

- أخبرتك، هنا في بلانسيا.

قال بامتعاض: أنا لا أفهمك.

- ولا أنا، لا أفهم نفسي.

- ألن تخبرني بشيء آخر عن هذا العالم.

ابتسم بولس وقال: حاليًا لا أقدر على البوح بشيء، ولكنني أملك شعورًا داخليًا بأنك ستعرف القصة كاملة ذات يوم.

ضحك جواد وقال: لا بأس، حينما أذهب لعالمك يومًا، سوف أعيد الضوء إليه.

ضحك بولس أيضا وقال: لا تقدر على الذهاب، وحتى نحن قد لا نقدر على العودة.

بلانسياWhere stories live. Discover now