الزهرة الثامنة عشر : صوت الرياح

514 65 13
                                    

رفعت جسدها عن الأرضِ بتثاقل ليسقط الغطاءُ فوقها أرضًا، شعرها الأسود مبعثرٌ بالكامل و عينيها الزرقاوتين ناعستين، أما ثيابها فهي في حالٍ من الفوضى العارمة، نهضت و كأنها تبحث عن أحدٍ ما في تلكَ الغابة التي لم يختفِ القمر من بساط سمائها الأسود على الرغم من كونهم هنا لأكثر من أسبوع !، بعد فترةٍ قصيرة من السيرِ البطيء، ها هي تلمح ذلك الذي يقف وسطَ الشجيراتِ مقفلًا عينيه و الرياح المتوهجةُ بالأزرقِ السماوي تداعب جسده... بَقيت بياتريس تحدق به بضع ثانية حتى خبا الوهج و اختفى ،فتح هو عينيه البنفسجيتين ببطء ليحول نظرهما نحوها

فسألته هيَ : ماذا تفعل ؟

ليجيبها هوَ : أُحادث الرياح...

همهمت متفهمة لتتبعها بسؤالها ثانيةً : ولِمَ تحتاج إلى التأمل ؟، لَم تفعل ذلك عندما كُنا في مقبرةِ الجشع...

رفع رأسه نحو السماءِ المعتمة المرصعةِ بالنجوم قائلًا : أجل، الرياح هنا مختلفةٌ قليلًا عن الرياحِ في عالمِ البشر... وهذا دليلٌ آخر على كوننا في عالم ما بين عالم البشر ومصاصي الدماء، على أيّ حال، لذلك انا أحتاج إلى التركيزِ أكثر لمحادثتها، فهمها و الاعتياد عليها...

التفت نحوها ليكمل : إنه كما لو قابلتِ وحشًا سحريًا يشبه لوكي لكنه ليس هو...

همهمت بياتريس ثم تبعتها قولًا : لم أفهم حقًا.. يبدو أن سحركَ معقد...

نظر إليها بتعجب ليبتسم لها بخفة قائلًا : هذا غير صحيح !

اخذ يقترب منها حتى أصبح لا يفصلهما سوى بضعة سانتيمترات ليمد لها ذراعه قائلًا

راين : أتودين سماعه ؟، صوت الرياح...

لمعت عيناها لتهتف بحماس : حقًا !!، هل يمكنني ؟

راين : بكل تأكيد...

ثم أردف بينما يرفع ذراعه نحوها أكثر : هيا، أمسكي بيدي...

اكتست حمرةٌ طفيفة وجهها لتسأل بارتباك : مـ ماذا ؟

فارقت الابتسامة شفتيه لوهلة تزامنًا مع نظراتِ التعجب التي رمقها بها، لكن ما لبثت أن عادت حين أدركَ خطبها

أمسك بيدها و سحبها لتقف قربه فقال مطمئئنًا إياها : لا بأس، سأنقل لكِ صوت الرياحِ فحسب، هذا كُل شيء...

أجفلت بعد أن أكمل جملته فاكتسى نبرتها الارتباك الممزوج بالخجل : أ.. أجل.. أعلم...

نظر لها بطرف عين فقال : و الآن.. أغمضي عينيك...

ففعلت كما أخبرها ليردف كلامه : خُذي نفسًا عميقًا...

و فعلت كما أخبرها ثانيةً ليقول مجددًا : و الآن، افردي ذراعيكِ في الهواء دون إفلات يدي

ففردا ذراعيهما معًا ليغمض راين عينيه و يأخذ نفسًا عميقًا بدوره

زفر مطولًا ثم أخذ يتمتم : أي الرياح العظيمة، أي أنت يا أساس الحياة، يا ملكة الحكمة والمعرفة يا من وجدت قبل الحياة، أنا من أقرضته من قوتكِ العظيمة جزءًا صغير، أرجوكِ أن تستجيبي إلى صوتي وأمنيتي، وأن تشاركيني القليل من معرفتكِ الواسعة...

ما إن بدأ راين بتلاوة تعويذته حتى بدأت الرياح تتجمع حولهما بشكلٍ لولبي لتبدأ بالتوهج بلونٍ أزرق سماوي فاتح و تلتمع بالأبيض الصافي

ليخترق رأسيهما صوت أنثوي واثق : يو أيها الفتى !، لَقد عُدت سريعًا ألم تفعل ؟، ما الذي تريده هذه المرة ؟

تفاجأت بياتريس بشدة لتقول محدثةً ذاتها : أ أنا أسمعه حقًا !، مهلًا... من كان يعتقد أن الرياح أنثى ؟، وهي جامحة قليلًا كذلك !

الرياح : هوووه، لقد أحضرتَ معك فتاةً وقحة حقًا ألم تفعل ؟

ليقول محدثًا ذاته وقد بان التوتر على نبرته : بـ بياتريس... إنها تستطيع سماعكِ... نحن نتواصل عبر التخاطر لذا...

فهتفت بفزع : أنت تمزح !

لتردف موجهةً كلامها إلى الرياح : أنا فعلًا آسفة !، لم أقصد شيئًا سيئا !

فقال محاولًا تهدئة الوضع : اهدأي بياتريس، أنا على وشكِ فقدان تركيزي.. و أنتِ أيضًا فيينتو ساما، من فضلكِ

*فيينتو = الرياح لو نسيتوا

الرياح : لا تجرؤ وتأمرني أيها الفتى !

ليرد بنبرةٍ مبتذلة : لا... لقد قُلت من فَضلِك...

الرياح : يالكَ من كاذب، وكأن تركيزك سيهتز بهذه السهولة وقد مارست سحر الرياحِ لأكثر من مائة وعشـ-

فقاطعها بفزع : آ.. آ آ.. آ ~، إ إنها اثنتا عشرة عامًا، فيينتو ساما

لتقول الرياح بنبرةٍ مستفزة : هوووه، يبدو أنك لم تخبر حبيبتك بالأمر بعد...

ارتبك الاثنان أكثر ليقولا بتزامن

راين : ليست حبيبتي !!

بياتريس : لستُ حبيبة احد !!

حمحم محاولًا استعادة هدوئه ليقول : عـ على أي حال، أُخطط لإخبارها قريبًا...

لتهمهم الرياح باستنكار ثم تتحول نبرة صوتها إلى الجدية : بوضع هذا جانبًا، أيتها الطفلة، هُناك شيءٌ مهم يجب عليكِ معرفته بشأن سحركِ ثنائي العناصر...

فقالت بياتريس بتعجب : سحـ... ـري ؟

flores pueblo - قيد التعديلWhere stories live. Discover now