الزهرة الثالثة و السبعون : سوء فهم المائة و عشرونَ عامًأ.

366 50 15
                                    

داخلَ إحدى غابات الصنوبر الصغيرة في غابةِ المحيط، سارَ راين يتقدمُ ماركوس و هدوءٌ ظهاريٌ يسيطرُ على كليهما عكسَ القلقِ و التوتر الذي اجتاحهما من الداخل، كيفَ لا و أحدهما يعتبرُ نفسهُ قد خانَ الآخر .

توقفَ الأولُ فجأة ليهتفَ بنبرةٍ بانَ فيها الانزعاج : فقط ما هيَ مشكلتك !، تتجولُ حاملًا وجهًا أحمقَ كهذا هُنا و هُناك، من المفترضِ أن يكونَ العكس !.

استمرَ الأخيرُ بصمتهِ ليتمسكَ راين بكتفيهِ بقوةٍ قائلًا : بحق الجحيم توقف عن صمتكَ هذا و أجبني ليكس !!.

شدد ماركوس على قبضتهِ بقوةٍ ليهمسَ بصوتٍ مرتجفٍ بينما يحدقُ بالأرض : و كيفَ لهُ أن يكونَ العكس... لقد خُنتكَ مرتين سول... لا يحق لي النظر في وجهكَ بعد الآن ...

تركهُ راين مجيبًا : ما الذي تتحدثُ عنه ؟، أنتَ كُنتَ هُناكَ لتمنعني عن إنهاءِ حياتي اللعينة بكُلِّ حماقةٍ !، وقوفي هُنا ليس بفضلِ شيءٍ إنما بفضلكَ !

همسَ ماركوس بنبرةٍ ركبتها العجلة : لقد أفشيت سركَ.

أجابَ راين بنفسِ النبرة : لأن حياة والدكَ كانت في خطر.

ماركوس : لقد أحرقتُ القرية التي اعتبرتها منزلكَ.

راين : لأن حياة والدكَ كانت في خطر !.

هتفَ ماركوس بشيءٍ منَ العلو : هذا ليسَ عذرًا !!

فصاحَ بهِ راين بحدة : بل و اللعنة هوَ كذلك !.

سادَ الصمتُ للحظةٍ حيثُ يقفُ ماركوس مصدومًا بينما يجاهدُ راين لالتقاطِ أنفاسهِ

أردفَ الأخيرُ بهدوء : ولو كُنتُ مكانكَ لقمتُ بالمثلِ...

ماركوس : و لو كُنتُ مكانكَ لما سامحتُ نفسي...

زفرَ راين مغمضًا عينيهِ بمحاولةٍ منهُ لاستعادة هدوءهِ فقالَ بنبرةٍ حاولَ جعلها مطمئنةً قدرَ الإمكان : ليكس... أنا لم أفكر يومًا بهذهِ الطريقة حسنًا ؟، أنتَ فعلتَ ما يجبُ عليكَ فعله.. لو كُنتَ تخليتَ عن والدكَ لأجلي لما سامحتكَ حينها... بالإضافة .. ألم يقتل بسببي ؟، لأني... أنا من وجدها... و دلهم على الطريق إلى ترهات الخلود و الشباب الدائم.. لذا من المفترضِ بالموضوعِ أن يكونَ العكس... أنا من يجبُ عليهِ أن لا ينظرَ في وجهكَ هُنا...

ماركوس : والدي قُتلَ لأنهُ عارضَ الفكرة !، أنتَ خارج الموضوع !!

فتحَ راين فاهُ بمحاولةً منهُ الردَ غيرَ أن ماركوس سبقهُ مردفًا : في ذلكَ الوقت... حينَ أخبرتكَ دافعيَ لافشاء الأمر ... أنتَ همستَ بـ" إنهُ خطأي"... ألم تكن تعني أنكَ كُنتَ مخطئًا بشأنِ إخباريَ بأمرِ تلكَ القرية ؟، إذًا أنى لكَ ان تقولَ كلامًا كـ"لم أفكر بهذه الطريقة قط" الآن ؟.

اجتاحت راين الدهشة لينفيَ قائلًا : أنتَ مخطأ ليكس !، آنذاكَ، ما قصدتهُ بتلكَ الجملة كانَ ما حلّ بالقريةِ و من فيها و بالطبعِ أمرَ والدك !.

ازدردَ ماركوس ريقهُ بصعوبةٍ يحدقُ براين بدهشة ليهمسَ مرتجفًا : ماذا مع هذا... أتعني أني كنتُ أعيشُ في سوء فهمٍ طوالَ مائة و تسعة و عشرونَ عامًا ؟.

احتضنَ الأخيرُ جسدهُ مرتجفًا فسقطَ جاثيًا على ركبتيهِ لتسيطر عليهِ ضحكةٌ هستيريةٌ اتبعها قولًا : و معَ هذا... و معَ هذا ذلكَ لا يغيرُ حقيقة كوني أتيتُ لأعيدكَ إلى ذلكَ الجحيم..

نزلَ راين إلى مستواهُ ليقولَ : كونكَ لم تفعل طوالَ ستةِ أشهر يعني أنكَ لن تفعلَ أبدًا ليكس...هذا يثبتُ أنكَ هُنا لأجلي لا لأجلهم !.

تلاشت ابتسامةُ ماركوس ليهمسَ بصوتٍ مرتجف : حتى لو كُنتُ قد شربتُ من دماءَ البشر ؟...

اتسعت حدقتا عيني راين ما إن سمعَ جملةَ مقابلهِ التي نزلَ وقعها عليهِ كالصاعقة ليهتفَ بعدَ جمودٍ دامَ عدةَ ثانية : ليكس !، قُل أنكَ تكذب !!، هُم لَم يجبروكَ على ذلكَ صحيح !!.

ماركوس : حدثَ ذلكَ في مقبرة الجشع... أمامَ عيني غوبر... لقد--

قاطعهُ راين معانقًا إياهُ بشدةٍ فقالَ بصوتٍ مرتجف : أنا آسف ليكس... ليسَ لأنكَ شربتَ دماءَ البشرِ بسببي... بَل لأنني لن أعتذرَ عن ذلكَ... أنا و بكُلِّ أنانيةٍ سعيدٌ كونكَ فعلتها لأجلي، أشكركَ حقًا ليكس.. على كُلِّ شيء...

شهقَ ماركوس بخفةٍ شهقةً مرتجفةً بينما تجمعت الدموعُ في عينيهِ البنفسجيتينِ المائلتينِ إلى الحمرة ليقولَ بصوتٍ مهزوز : ألا بأس بكوني أنانيًا ؟، ألا بأس ببقائي مع الجميع ؟.

راين : كُن أنانيًا بالقدرِ الذي تشاء...

- حيثُ بياتريس و البقية -

مرت أكثرُ من ساعةٍ على ذهابِ راين و ماركوس و ما تزالُ الأجواءُ متوترةً هُنا أيضًا، ليسَ فقط لقلقِ الأربعة على هذين الاثنين بل لأنَّ صدمةَ كونُ لينا و إيلينا هُما الشخصُ ذاتهُ ما يزالُ وقعها على بياتريس قويًا جدًا، لَم يمضِ الكثيرُ من الوقتِ بعدها حتى عادَ الاثنينِ من الغابة لكنَ ما فاجأ بياتريس لوكي و ميرا هوَ شعرُ ماركوس الأشقر الباهت أصبحَ مجعدًا و بشرتهُ مالت إلى السمرة، و بالطبعِ فإنَّ عيناهُ أصبحتا بنفسجيتانِ كراين تمامًا غيرَ أنهما مائلتانِ إلى الأرجوانيِ أكثر .

لاحظت ميرا الحزنَ على محياه بالإضافة إلى الحمرة تحتَ عينيه و التي تفضحُ كونهُ قد بكى كثيرًا فعلًا فقالت مازحة : واو لقد تغيرتَ كثيرًا !، أكادُ أجزمُ أنكَ لستَ الشخصَ ذاتهُ الذي علقتهُ على حافة منصة الفيروز ذات مرة !!.

اقتربت منهُ بياتريس لتقولَ متسائلة : هـ هل أنتَ بخير ؟، ماركوس سان...

سكتَ ماركوس دونَ إجابةٍ بضعَ ثانيةٍ ليتمسكَ بيديها فجأة و شلالاتٌ من الدموعِ تهطلُ على وجهه فهتفَ بصوتٍ مرتجف : بياتريس تشان... شكرًا لكِ

قالت بإستغراب : شـ شكرًا ؟

ماركوس : لأنكِ لو لم يحدث ما حدث لما حضينا بفرص للحديث هكذا...

بياتريس : أ- أجل...

و هكذا، استمرَ ماركوس بالبكاء كالأحمق إلى ما بعد حين...

flores pueblo - قيد التعديلWhere stories live. Discover now