الزهرة الأولى بعدَ المائة : تتمة الحكاية.

399 41 8
                                    

قالَ راين : آسفٌ لجعلكِ تنتظرينَ أختي ..

ابتسمت إيلينا بلطفٍ لتجيب : حقًا.. لَقد تعبتُ منَ الانتظارِ كثيرًا.. راين...

شددَ على قبضتهِ اليمنى بقوة بينما سحبَ سيفهُ الكبير باليسرى قائلًا : التعويذة صفر مِن أصل خمسة... مايسترو دي ديزازتريس

*سيد الكوارث.

عصفت الرياحُ حَولَ راين بعتاءٍ وقوة حتى تكثفت فأمست بيضاء مرئية للعين، تقدمَ مِن شقيقتهِ بينما يعضُّ شفتاهُ بقوةٍ يجاهدُ لأجلِ التماسكِ وَ لو قليلًا لأجلها

همسَ : ها أنا ذا..

أبقت إيلينا على ابتسامتها لتذرفَ بعضَ الدموعِ قائلة : أجل ..

" إيلينا : آسفة راين... سامح أختكَ الأنانيةَ هذهِ المرةَ فقط... لَم أعد أتحملُ كوني على قيدِ الحياة... منذُ ذلكَ اليومِ قبلَ عشرةِ آلافِ عامًا.. كُنتُ فقط أعيشُ جحيمًا... لَم ينتهِ الأمرُ عندَ موتكَ فقط.. فقد كانَ ما حدثَ بعدها هوَ القشة الأخيرة ."

- قبلَ عشرةِ آلافِ عام -

خطوة ثقيلة ضربت الأرضَ تلتها أخرى بعدَ أخرى، خطى بطيئة بالنسبةِ لشخصٍ بكاملِ صحتهِ و عافيتهِ.. تخللَ صوتُ تلكَ الخطى مسامعَ آنا التي تحلقُ فوقَ البحيرة السرمدية فالتفتت إلى الغابةِ مِن فورها

هتفت : إيلينا ساما !.

دققت النظرَ فيها لتقولَ : و الشخصُ الذي تحملينهُ يكون...

دَبّ الرعبُ في قلبِ آنا لحظةَ أدركت ما رأتهُ فحلقت نحوهما هاتفةً بفزع : راين ساما !!، ماذا حدثَ لكَ !!، إنكَ مغطى بالدماءِ بالكامل !!.

انهمرت دموعُ إيلينا دونَ توقفٍ أو سابقِ إنذارٍ لتقولَ بصوتٍ مهزوز : ساعديهِ رجاءً.. آنا.

" إيلينا : نحنُ الاثنتانِ مددنا جسدَ راين على الأرضِ تحتَ نفسِ الشجرة التي حَملت شرنقةَ آنا ذاتَ يومٍ، حاولت آنا جعلهُ يشربُ مِن مياهِ البحيرة السرمدية قائلةً أنها تشفي جراحَ شاربها، لكنَ أخي لَم يستيقظ... هو قد فارقَ الحياةَ بالفعل... في لحظةِ اليأسِ تلكَ حدثَ ما لم يكن متوقعًا..."

هتفت إيلينا بفزع : أخي !، الأرضُ تبتلعُ أخي !.

و بوصفٍ أدق، كانَ جسدُ راين يغوصُ في التربةِ و تتبرعمُ حولهُ أزهارٌ بأشكالٍ و ألوانَ مختلفةٍ و أحجام متفاوتة، كلما غاصِ إلى الأسفلِ أكثر تبرعمت حولهُ و فوقهُ أزهارٌ أكثر فأكثر ، تملكَ إيلينا الذعر لتمدّ يدها نحو جسدهِ غيرَ أنّ آنا هتفت ناهية : لا تفعلي إيلينا ساما !!.

و ما إن اقتربت يدُ إيلينا مِن جسدِ راين حتى صدها حاجزٌ متوهجٌ شبهُ شفافٍ فهمست بانكسار : لما.. ذا ؟.

أجابت آنا بحزن : على الأرجحِ فإنّ جان ساما يطالبُ بجثةِ ابنه..

لحظةَ سماعِ إيلينا كلمةَ " جثة " اعتصرَ قلبها بقوةٍ لتهمسَ : إيه ؟.

آنا : هو يَودّ مِن جسدِ ابنهِ أن يكونَ قربهُ.. فبعدَ كُلِّ شيءٍ هذهِ القرية صُنعب بإرادةِ جان ساما نفسها..

عادت دموعُ إيلينا للإنهمارِ مجددًا فهمست : هذا ليسَ عدلًا.. لِمَ لا يمكنني الموتُ فَقط ؟، كما حدثَ معَ أمي و أخي .. لِمَ .. ما أزالُ هُنا ؟.

انهمرت دموعُ آنا في تلكَ اللحظةِ إذ أنّ الاخيرةَ لَم تَعُد تستطيعُ كبحَ نفسها عَن البكاء و هيَ تتذكرُ كُلّ لحظةٍ جمعتها براين

هَمست بصوتٍ مرتجف : أحقًا .. لَم يعد راين ساما هُنا ؟.

ازدادَ بكاءُ إيلينا لتصدرَ منها بضعُ شهقاتٍ هيَ الأخرى فأردفت آنا : اشتقتُ إليه..

" إيلينا : في ذلكَ الوقت، استمريتُ وَ آنا بالبكاءِ حتى الغسق... أنا التي غرقتُ في اليأسِ انتشلتُ غصنَ شَجَرَةٍ كانَ قريبًا مني بالصدفة و طعنتُ قلبي بهِ دونَ لحظةِ ترددٍ واحدة، آنا تملكها الفزعُ فهرعت تسحبُ الغصنَ مِن قلبي.. تمنيتُ لَو أني لَن أستيقظ مجددًا... لَكن.. جرحي التأمَ في ثوانٍ معدودة.. لماذا ؟، فقط ماذا كانَ نوعُ القدرة التي امتلكها والدي و ورثتهامنهُ ؟، مَن كانَ جان بارسولوميو بالتحديد ؟، هذهِ هيَ الأفكارُ التي غزت رأسي في ذلكَ الوقت، و بالطبعِ لَم يتوقف الأمرُ عندَ ذلكَ الحد.. إنما مأساةٌ أخرى كادت تقعُ على أرضِ تلكَ القرية."

بعدَ ثلاثةِ أشهرٍ مما حدث، وقفت آنا على أحدِ ضفافِ تلكَ البحيرة الذهبية تحدقُ بذلكَ القبرِ المزينِ بالزهور و الذي صنعهُ الأبُ لابنهِ ، بعيونَ حزينةٍ واهنةٍ و نظراتٍ ذابلةٍ شاردة تذكرت ابتسامتهُ اللطيفة يومَ يناديها، ابتسامتهُ اللطيفة يومَ يلاعبها، ابتسامتهُ اللطيفة يومَ يقلقُ عليها...

اغرقت عيناها بالدموعِ لتنهمرَ دونَ توقفٍ فهمست : راين ساما... يكفيكَ نومًا... استيقظ رجاء...

لحظةُ صمتٍ أطبقت على المكانِ لَم تكُن غريبةً عَلى آنا، فلطالما كانَ الوضعُ هكذا طوالَ ثلاثةِ أشهر، تطلبُ منهُ الاستيقاظ بينما لا حياةَ لِمن تنادي.. سقطت جاثيةً على ركبتيها ككُلِّ مرةٍ ترفعُ رأسها نحوَ السماءِ ثُمّ تجهشُ بالبكاءِ و شهقاتها العالية تملأ المكان

لكن ما تغيرَ هذهِ المرة أنها أجفلت فجأةً مرتعبة لتحدثَ نفسها قائلة : هُناكَ مَن اقتحمَ القرية !، بَشر ؟، لا ليسوا بشرًا فقط.. هُناكَ جنياتٌ أيضًا !!، عليّ أن أبلغَ إيلينا ساما في الحال !!.

خَطت خطوةً إلى الأمامِ لكنها سرعانَ ما فكرت مجددًا : مهلًا !، ماذا لو استطاعوا الوصولَ إلى البحيرة السرمدية ريثما أنادي إيلينا ساما ؟، يبدو أنهُ ليسَ لديّ خيارٌ آخرُ سوى الدفاعِ عنها بنفسي !.

صوتٌ صبيانيٌ ساخرٌ قالَ مِن خلفها : هيَ قالت !.

تلاهُ صوتُ امرأةٍ قالت بنبرتهِ ذاتها : همم، أتسائلُ ما المميزُ بشأنِ هذهِ البحيرةِ إذًا...

التفتت آنا نحوهُما تحدثُ ذاتها : قراءة الأفكار !، جنيةُ غابة !.

غصنٌ كبيرُ كادَ يخترقُ معدةَ آنا لولا كون الأخيرة قَد راوغتهٌ بالكادِ فخدشَ خاصرتها

ظهرَ أمامها طفلٌ بدا في الثانيةَ عشرَ مِن عمرهِ بشعرٍ أخضرَ عشبيٍ و عينانِ عسليتانٍ مجيبًا : أصبتِ.

flores pueblo - قيد التعديلDär berättelser lever. Upptäck nu