الزهرة الرابعة والعشرون : لَيست عَلى طَبيعَتِها !

529 57 17
                                    

الزهرة الرابعة والعشرون : لَيست عَلى طَبيعَتِها !

" بياتريس : ما هذا المكان ؟، إنه معتم... معتم لدرجة فاقعة السواد، و كأنه يشعّ في عيني... لا، مهلًا... هُناكَ أطيافٌ تتحركُ في الأرجاء... صوت أزيز يدوي في رأسي، أُحِسُ إنهُ سينشطرُ إلى قسمين !، عيناي تُحرقانني، مُنتصف جبهتي و كأنه سيخرج من مكانه في أيّ لحظة !، و كأن عصا تضغط على جانبي جبيني !، كما أن أذناي و كأنهما على وشكِ الانفجار دمًا في أيّ لحظة !، توقف !، أرجوكَ توقف !!، مـ ما هذا ؟، صور ؟، إنها تتحرك بسرعةٍ جنونية !، يستحيل أن أميزها هكذا !، عيناي تؤلماني !، لا أريد أن أرى شيئًا !!، مهلًا، إنه الجد من القرية... ما الذي يفعله هنا ؟"

يتردد صدى صوته الحازم في أرجاءِ المكان قائلًا : هل أنتِ واثقة أنكِ تريدين القيامَ بهذا ؟...

فردت الفتاة بصوتٍ متألم : أجل... يجبُ عليّ حماية الجميع... حتى لو فشلتُ الآن... سأحمي من في المستقبل !، سواء بعد مائة عام، أو ألف، أو حتى عشرةِ آلاف !، سأعود بكل تأكيد...

- تستيقظ فزعة -

فتحت عيناها بقوة لتشهق مرعوبة، تنام على ظهرها و عيناها تذرفان الدموع بغزارة، نفسُها مقطوع تحدق بالسقفِ الخشبي بعيونٍ متسعة دون أن ترمش لجزء ثانية، أدركت نفسها أخيرًا لتعتدل جلوسها في السرير وكل إنش من جسدها ينتفض رعبًا، أمسكت وجنتيها بكلتا يديها و أخذت تمسح دموعها ببطءٍ شديد

همست لنفسها بصوتٍ يرتعد فزعًا : حـ... حلم ؟

فُتح الباب ليطل منه لوكي هاتفًا بمرح : بيارين، إنه الصباح !

ما لبث أن يكمل جملته فإذ به يتوارى له وجهها الشاحب أكثر من العادة حتى، جسدها المرتجف يأبى السكون، شفتاها تنتفضان صعودًا و نزولًا لعدةِ مرات تباع، و عيناها تبرقان فجوعًا

فأردف كلامه بسؤاله وقد بان القلق على نبرته : ما الأمر ؟، بيارين.. أنتِ لستِ بخير !

أجبرت المعنية شفتيها على الابتسام لتقول بنبرةٍ مرتجفة رغم كل محاولاتها لتمالك نفسها

بياتريس : لا شيء.. مجرد كابوس !

فسأل قلقًا : أمتأكدة ؟

بياتريس : أجل، لا تقلق !

خرجت من غرفتها برفقة لوكي متجهةً إلى الحمام، غسلت وجهها و سرحت شعرها بشكل ذيل فرس إلى الأعلى على غير المعتاد، ثم نزلت إلى الطابقِ الأرضي و منه إلى القرية

هُناك حيث تخلل مسمعها صوتٌ سمعته قبل ثوانٍ

العجوز : استيقظتِ أخيرًا ؟

اخترق ذلك الأزيز المزعج رأسها مجددًا منذ أن أنهى جملته فسألها

العجوز : أأنتِ بخير ؟

فابتسمت مجبرة لترد : أجل... أين الجميع ؟

ابتسم لها العجوز بدوره بودية : أجل، إنهم في قاعةِ المؤدبات بالفعل، تعالي نتناول الفطور !

أومأت له بياتريس بالإيجاب و اكتفت بالصمت بينما تتبع المانا الخاصة به حتى وصلت إلى القاعة المزعومة و إذ بالجميع قد وصلَ بالفعل ولم يبقى سواها

ما لبثت أن جلست على كرسيها حتى قال راين ببرود : إذًا و بما أن الجميع قد حضر.. لنبدأ التحقيق بعد تناول الفطور...

علق الطعام في حلقِ ماركوس ليسعل بضع مرة ثم يقول من بين كحاته

ماركوس : لما تتكلم بصيغة الجمع ؟

فاعتلت وجه راين ابتسامة مستفزة : لأن أحدهم عيّنني قائدًا !

- في مكانٍ آخر في هذه الأثناء -

قلعةٌ جوفها مظلم في مكانٍ مجهول، أرضيتها، سقفها و ما بينهما بُني من مكعبات طينٍ متحجر، مشاعل ملتهبة تتوهج بنورٍ برتقالي معلقة على الجدران لتُخفف من زحمةِ الظلام هُنا و لو قليلًا، ظل رجل ضخم الجثة يلوح على الجدران بين الفينة والأخرى، يمشي باستقامة و ثبات نحو وجهته و صدى خطواته الثابتة، الواسعة والشامخة يرن في الأرجاء مُحطمًا للهدوء بقوة، وقف أخيرًا أمام بوابةٍ من الخشبِ البسيط بقمة شكلها نصفُ دائرة و تتوسطها قطعة فلاذ مستطيلة الشكل تشبث بها مقبضين حليقي الشكل من نفسِ المادة، انحنى له الشخصان الواقفان على الجانب وهما يحجبان جسدهما بمعطفٍ أسود طويل بالكامل و فتحا البوابة دون سؤاله شيئًا، فإذ بعينيه تطلان على منظر حيث غرفه ملئت بالعواميد الداعمة للسقف وتوسطها سجادةٌ حمراء امتدت حتى ذلك العرش الأسود المزين بالجماجمِ الحمراء و تلك السيدة تجلس عليه بكل علوٍ و سمو، تسند مرفقها إلى كفة العرش وخدها إلى قبضتها المرتخية

جثا على إحدى ركبتيه و طأطأ رأسه احترامًا ليقول بصوتهِ الأجش : مِن النادر أن يتم استدعائي إلى جانبِ جلالتكِ، مي-رَينا

*مي رَينا : ملكتي

فردت عليه بصوتٍ ناعم و لعوب : أجل... لَديّ عملٌ لايمكن لأحدٍ سواك إتمامه... غوبر.

رفع رأسه لتبرز ابتسامته قائلًا : هذا شرفٌ لي، جلالتكِ...

ابتسمت له برضى ليردفَ هو كلامه : هَل لي أن أعرف ماهو ؟

قالت : بكل تأكيد... هُناكَ تغييرٌ في الخطة... لِذا أودّ مِنك إقامة حفلة في قريةٍ معينة..

اتسعت ابتسامة غوبر فسأل : هل أجعل جميع من فيها يرقصون ؟

تحولت نظراتها إلى نظرات مكر و اتسعت ابتسامتها بدورها : بكل تأكيد... لكن إياك ثم إياك أن يراقص أحد عزيزتي آنا !

غوبر : لاتقلقي جلالتكِ، أنا مُدركٌ لهذا كما أُدركُ اسمي !

وقف على قديمه و أردف : و الآن أرجو أن تعذريني، أنا متحمس للغاية كما ترى جلالتكِ

أشارت له بيدها كموافقة منها على ذهابه فتراجع إلى الخلف بضع خطوه ثم التفت إلى البوابة من حيث أتى

فاستوقفته بقولها : و شيء آخر...

توقف دون أن يلتفتَ إليها لتستكمل هي : بالنسبة لفتى لويدُ-غير... لا أمانع إن قتلته.. فهو و على كل حال يشكل إزعا-... لا، إنه مشكلةٌ كبيرة بالفعل !

فقال دون ان يتفت : إيل اورلين، سو ماخيستاد

*كما تامرين، جلالتكِ

ثم خرج من حيثُ دخل لتُغلق الأبواب خلفه مُصدرةً صريرًا عِند جرّها

flores pueblo - قيد التعديلWhere stories live. Discover now