الزهرة الثالثة والتسعون : آنا : ذلكَ اليوم.

336 39 10
                                    

قبلَ مائة و ثلاثونَ عامًا، عندَ النافذة خارجَ منزل سينابيل تقفُ آنا و هيَ تحدقُ براين بينما تحدثُ ذاته : هذهِ المرة سأبدأ حديثًا معهُ بكُلِّ تأكيد !.

أما في الداخل، كانَ راين يقفُ أمامَ مكتبةِ سينابيل يحدقُ بها و أخيرًا انتشلَ أحدَ تلكَ الكتبِ آخذًا يقلبُ صفحاتهِ مطالعًا إياها

قالَ بهدوءٍ دونَ أن يزحزحَ عينيهِ عَن الكتابِ : هيي سينابيل... لغتكم تختلفُ عَن تلكَ التي في عالمنا... على الأقلِ في الكتابة.

اقتربت منهُ سينابيل بابتسامةٍ دافئة لتقول : أتودُ مني أن أعلمكَ الكتابة ؟، راين...

أعادَ راين الكتابَ إلى المكتبة ثُمَّ أومأ إيجابًا لتسألَ سينابيل مجددًا : لِمَ لم تطلب ذلكَ من إدغار قبلًا ؟، ألستما مقربان ؟، متأكدة أنهُ ما كانَ ليرفض..

زفرَ راين مغلقًا عينيهِ ليجيب : مقربان ؟، ماكان ليرفض ؟، سينا دعينا نكن واقعيين هو سيجعلني أترجاهُ حتى العامِ الجديد !، أفضلُ البقاءَ أميًا على أن أتعلمَ على يدهِ !.

ابتسامةٌ مرتبكة و دهشةٌ طفوليةٌ رُسمت على وجهِ سينابيل لتجيبَ : هـ.. هيـ~ـه....

انتشلَ راين ورقةً و قلمًا من على إحدى الرفوفِ ثُمَّ جلسَ مقابلًا لطاولةِ الشاي فنادى على سينا قائلًا : إذًا ؟، ألن نبدأ أم ماذا ؟.

سألت المعنية بتعجب : منذُ الآن ؟.

أومأ إيجابًا ليجيب : لا أودُ منهُ أن يسخرَ من عدمِ مقدرتي على القراءةِ يومًا ما !.

قرعٌ على النافدةِ تخللَ مسامعهما ليلمحَ راين طفلةً سوداءَ الشعرِ خضراءَ العينينِ خارجَ النافذة ففتحها قائلًا : مَن ؟.

أجابت : آنا !، اسمح لي بتعليمكَ رجاءً !.

همهمَ راين مُفكرًا فأجاب : و لِمَ لا، سينا مشغولةٌ دومًا على أيةِ حال !، سيكونُ هذا أسرعَ بكثير !.

ابتسمت آنا بسعادة لتهتف بنشاط : أجل !.

" آنا : الوحدة، الفراغ، الاختلاف، الألم ، الحزن...طوالَ خمسينَ ألفَ عامًا... وأنا أحملُ هذهِ المشاعرَ داخلي و لاشيءَ سواها... قبلَ خمسمائة عام... تعرفتُ على لوكي... هوَ خففَ من هذهِ المشاعر شيئًا لكنَ هذا لَم يكُن كافيًا... كُنتُ طوالَ الوقت أشتاقُ إلى شخصٍ واحد... إلى سيدي... أشتاقُ إليكَ جان.. كثيرًا.. لذا يومَ علمتُ راين القراءة، و لأولِ مرةٍ شعرتُ بأنَّ العالمَ تملأه ألوانُ قوسِ المطر... الفراغُ في قلبيَ يتلاشى و كأنهُ لَم يوجد، قضيتُ أوقاتًا ممتعةً لأولِ مرةٍ منذُ وقتٍ طويلٍ... و نسيتُ أمرًا مهمًا... هذا النسيان... أودى بنا إلى كارثة."

صباحُ ذلكَ اليوم، ظلامٌ دامسٌ أغرقَ عينيها و هدوءٌ شديدٌ طغى على أذنيها حتى تخللهما ذلكَ الصوتُ المرحُ و المألوفُ قائلًا بمرح : آنا، استيقظي آنا !، إنهُ الصباح !!.فتحت المعنية عيناها بهدوءٍ لتطرفَ بهما بضعَ مرةٍ بثقلٍ، استندت على يمينها تفركُ عينيها بيسارها ثُم تثاءبت لتتشبثَ بعينيها بضعَ دمعةٍ لتستمرَ بفركهما، توقفت لتفتحَ عينيها فتبتسمُ بلطفٍ هامسة : صباحُ الخيرِ لوكي...

بقيَ لوكي يحدقُ بها بهدوءٍ لوهلةٍ ثُمَّ هَتفَ بمرح : آنا ظريفةٌ اليومَ أيضًا !، يا إلهي أودُ أكلكِ.

قهقهت آنا لتقولَ مجيبة : لستُ ظريفةً بقدركَ لوكي !.

تحدثَ لوكي كسيدةٍ نبيلةٍ داخلَ حفلٍ قائلًا : اوه يا إلهي آنا ساما امتدحتني توًا !، هذا مخجل !.

قلدتهُ آنا بدورها : لا لا لوكي ساما، لَم نقل سوى الحقيقة

حاولا كبتَ ضحكتهما إلا أنهما انفجرا معًا في النهايةِ فابتسمت آنا قائلة : أتطلعُ لمقابلةِ راين اليومَ أيضًا !، أتسائلُ إن كانَ يتطلعُ لمقابلتي كذلكَ...

لوكي : لم تمضِ سوى خمسةُ أيامٍ منذُ التقيتما و تحولَ إلى راين بدلًا من سيدي، هووه لقد فهمت آنا الخادمة الصغيرة قد وقعت في حُبِ سيدها، كَم هذا مشين كَم هذا مشين...

احمرَ وجهها تمامًا لتندفعَ نحوَ لوكي هاتفة : هذا خاطئ هذا خاطئ !!، لقد كانت زلةَ لسانٍ لأني اناديهِ هكذا دومًا !

تنهدَ لوكي مغلقًا عينيه : كوني صريحة مع نفسكِ آنا، أنتِ كذلكَ ألستِ ؟.

سكتت لتخفضَ رأسها إلى الأسفلِ قائلة : حتى لو كُنتُ كذلكَ... الأمرُ ليسَ و كأنهُ سيهتم.. بالإضافة هوَ مقربٌ لسارا كثيرًا...

ربتَ لوكي بكفهِ الأبيض الصغير على كتفها قائلًا : هذا ليسَ صحيحًا آنا، أنتِ ألطفُ من المدعوةِ سارا بكثير !، كما أنَّ وجهكِ أظرفُ منها !، لدرجةِ أنني أنا ملكُ الظرافة بلحميَ ودميَ و فرائيَ أمتدحُ ظرافتكِ !.

هتفت آنا بطفولية : هـ هذا صحيح !، عليَّ أن أبذلَ جهدي !.

هتفَ لوكي مشجعًا : هذهِ هيَ الروح !.

نهضت آنا متوجهةً نحوَ البحيرة لتعبرَ إلى الجانبِ الآخر ، لكنَ ما حدثَ هذهِ المرة لَم يكن في الحسبان، آنا لم تستطع أن تعومَ في الهواء هذهِ المرة، بل سقطت في البحيرةِ فقط، أنفاسها تشكلُ فقاعاتٍ متصاعدةٍ إلى الأعلى و جسدها يهبطُ إلى الأسفل ، بقيت هكذا لثوانٍ حتى أدركت نفسها فلفت جسدها ليقابلَ بصرها القاع بنيةِ السباحةِ إلى السطح، لكنَ ما صدمها منظرٌ لم تتوقع رؤيتهُ أبدًا.

حدثت آنا نفسها : هذا الجسد... مستحيل... سيدي ؟.

flores pueblo - قيد التعديلWhere stories live. Discover now