الزهرة الثمانون : ما قبل المأساة .

374 48 22
                                    

في تلكَ القريةِ نفسها ، داخل ذلك الكوخ ، جلس إدغار و سارا أمامَ تلك المرآةِ نفسها ، جلس الاثنانِ يحدقان بها بنظراتٍ ثاقبة هيمن عليها الإصرار كأنما ينتظرانِ شيئًا منها و هاهي تتموجُ حلقيًا كالمرةِ السابقة أخيرًا و يسقطُ منها ذلك الفتى ذا الشعرِ الأسود

ارتطمَ بالأرض ليهتف : مؤلم !!

فتحَ عينيه سريعًا ليجدَ سارا و إدغار يحدقانِ به بتركيز فسأل : مـ .. ماذا ؟

إدغار : لا ... ظننتُ أني كنتُ أحلم فقط ...

راين : و كيف لكما الحلمُ بالأمرِ ذاته جديًا !

سارا : الأمرُ يحدث كثيرًا بين التوأم ، لا فائدة من سؤالِ بعضنا بعضًا ...

همهم راين بهدوء بينما ينهضُ من على الأرض لتهتف سارا مشيرةً إليه

سارا : أنظر إتشان ! إنه حقيقيٌ بالكامل!

اقتربَ إدغار من راين ثم قال : اوه ، أنتِ على حق !

هتفَ بهما راين منزعجًا: بالطبعِ انا كذلكَ !!...

سارا : ماذا يعني هذا ؟ لم يحدث أمرٌ مماثلٌ من قبل !

راين : لا يهم صحيح ؟ فلنذهب لنحضى ببعضِ المرح !

" راين : هكذا أصبحت زياراتي إلى قريةِ الزهور شبه يوميّة ، اكتشفتُ كون تعاقب الليل و النهار فيها مقلوب عنه في عالمنا ، أصبحتُ إن حلّ الليل و ذهبتُ للنوم ، أتسللُ إلى قريتهما ، أما والداي ، لوكا و ماري ، أصبحوا يعتقدون أني بدأتُ السير أثناءَ النوم ، لا ألومهم فلسببٍ ما وعيي هو كلُّ ما ينتقل إلى القرية ، و جسدي ينهار أمام شجرةِ الدم فقط ، على ما يبدو فإنهم يعثرون عليه هناك في كلّ ليلة ، في النهاية أخبرتُ ليكس عن تلك القرية ، و منذ وقتٍ ليس ببعيد عن ذلك أصبحَ جسدي ينتقلُ إليها كذلك ، و في أحد تلك الأيام ."

يجلسُ إدغار فوق أغصانِ الأشجار كالعادة ، سارا تطاردُ الحلزونات العائمة في الأسفل و راين يتشبثُ بالشجرة بمفاصلِ ركبتيه و يعلّق جسده رأسًا على عقب على الغصن أعلى إدغار كالعادة

سأل إدغار بهدوء : نيه يا أسود ...

فردّ راين بهدوء بدوره : ما الأمر يا أشقر ...

إدغار : لِمَ كان نبضُ قلبك ضعيف حين وجدتك آنذاك ؟ بالأحرى هو ضعيفٌ دومًا ...

أمسكَ راين بكفّ يد إدغار و وضعه على يمين صدره قائلًا : ما الذي تقوله ؟ انظر إنه طبيعي ...

فقالَ إدغار بتعجب : أقلوبُ مصاصي الطماطم على اليمين ؟

فردّ راين بتملل : و هل الشمس هنا ساطعة ؟ بالطبع هي كذلك !، كما أنني شيطان !.

إدغار : قـ ... قلوبنا على اليسار أتعلم ؟

تأرجحَ راين ثمّ ترك غصنه و تشبّث بالغصن قربَ إدغار فجلسَ فوقه القرصاء ليهتف : أقسِم !! أنتم كائناتٌ غريبةٌ بحق !!

إدغار : هذه جملتي أنا !!

حوّطت سارا فمها بكفيها و هتفت : ران تشان ! إتشان !

أشارت بإحدى يديها إلى الخلف و أردفت : الشمس على وشك أن تغرب !!

راين : هذا سيئ !

التفتَ إلى إدغار ثمّ قال : ننهي المحادثةَ لاحقًا !

هبطَ راين عن الشجرة و تقدّم نحو سارا مربتًا على شعرها بلطف : سأعود قريبًا !

فأومأت له سارا بالإيجاب و هتفت بسعادة : أجل !

عادَ راين إلى المنزل و وقفَ أمام المرآة ، مدّ يده إليها فإذ بصاعقةٍ تجري في جسده تدب فيه فزعا فهتف مستغربًا و الفزع يهيمن على وجهه : لـ ... لا يمكنني العبور !! لِمَ ؟

و ما لبثَ أن أنهى جملته حتى شعرَ برئتيه على وشكِ الإنفجار ، حاولَ أن يأخذ أنفاسه لكنه توقفَ قبل أن يبدأ ، إن تنفس مات ، و إن لم يتنفس مات ، وهنَ جسده بعد أن شعرَ بتلك الصاعقة تأتيه من جديد تسري من رأسه وصولًا إلى قدميه ، جثا راين على ركبتيه ، فقدَ وعيّه تزامنًا مع سطوعِ المرآة وهجًا بنفسجي اللون ، غرقَ راين في الظلام ، غرق فيه في تلك الليلة ، فعليًا و معنويًا ، جسديًا و عاطفيًا ، بعد برهة تسلل الضوء إلى عينيه ليلمحَ تلك النيران التي أحرقت قلبه ، القرية التي لطالما أشارَ إليها بقريتي ، تحترق أمام عينيه ، إدغار يموت متوسلًا له إنقاذَ شقيقته ، يهرولُ راين إليها ، الدماءُ داخل عينيها ، يمسكها من يدها ساحبًا إياها نحو الغابة ليصدمهُ ذلكَ الشخصُ الواقفُ امامهُ.

توقف راين فجأة ليهتف : مايكل ؟ ما الذي تفعله هنا ؟ اهرب سريعًا

كانَ فتى يكبرُ راين بأكثرِ من خمسةِ أعوام ، برتقالي الشعر أخضر العينين ، بشرة مائلة إلى السمرة

همسَ الفتى : مايكل ؟ تقول ...

قهقه الفتى باستهزاء : من كانَ ذلك يا ترى ؟

تشبثت سارا بيد راين الذي عادَ خطوةً إلى الخلف خطوةً أكثر ، فسألَ بتردد ما الذي تقوله ؟ مايكل ...

خطا المدعو مايكل خطوةً إلى الأمام مترنحًا ، طأطأ رأسه إلى الأسفل لتغطي خصلاتُ غرته عينيه

مايكل : كما قلت ... لم يعد مايكل موجودًا ! لقد وقعت في حب قاتلة والداي ! المجرمةُ التي مزقتهما بينما ترتشف دماءهما !، يا والدي غوردون ، و يا والدتي بِرونيكا ، من أجل ألا أنسى من تكونان ... من الآن فصاعدًا ، سيكون اسمي ... غو.. بر ، هذا هو دليلُ كونكما كنتما على قيدِ هذه الحياةِ البائسة !

فتحَ راين عيناه على أوسعهما و هو يراقبُ الفتى الذي أمامه يضحكُ بهستيرية كالمجنون و هو يمسكُ بطنه و هو يترنح هنا و هناك ، لكن راين سرعان ما حمل الجدية في ملامحه و قطّب حاجبيه و ضغط على كف سارا ، لم يمضِ الكثيرُ من الوقت حتى جرى متخطيًا غوبر و غاصَ عمق الغابة

هتفَ أسمرُ البشرة : إلى أينَ يا فريستي !، سيكونُ تمزيقكما هوَ أولُ عملٍ لي من أجلِ التقربِ إليها !!.

همس لنفسه : حتى لو دفعتُ حياتي ثمنًا ، أنا فقط سأحميكِ سارا !!

كانَ راين يجري سريعًا، و سارا بالكادِ تجاريهِ في السرعة، و أما مايكل أو غوبر كما يدعو نفسه فسرعتهُ نافست فهدًا، و على غيرِ هُدى، فقط لأجلِ الخلاص، استمرَ الاثنانِ يركضانِ نحوَ المجهولِ.

flores pueblo - قيد التعديلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن