الزهرة الحادية والثلاثون : البعد المحايد

463 57 10
                                    

" بياتريس : مرّ منذ تلك الليلة يومان بالفعل، و قد قضيناهما في المساعدة في إعادةِ بناء القرية،بعد تلك المعركة، أفاق راين سان صباح اليوم التالي، جروحه قد اختفت و كأنّ شيئًا لم يكن فقط كالعادة، مع ذلك فهو ليس على طبيعته نوعًا ما، مهما كان يحاول أن يبدو طبيعيًا فهو لا ينجح في ذلك، روبي تشان تحاول تمالك نفسها أمامنا قدر الإمكان ايضًا لكن مقابلتها لغوبر سان مجددًا قد أثرت سلبًا عليها، جوليا تشان تقدم عونًا كبيرًا لأهلِ القرية بمساعدتهم على إصلاحها، فسحر خيمياء الخشب الخاص بها مكنها من بناء منازل قوية ومتينه بسرعةٍ قياسية و دقة عالية، أما أنا ؟، توقفت تلك الكوابيس الفظيعة عن مطاردتي أخيرًا

!، أما الآن، فقد حلّ صباح جديد و حان الوقت ليجمعنا الجد في قاعة المؤدبات "

قال العجوز : أ اجتمع الجميع هنا ؟

اقتطع كلامه ينظر حوله متأكدًا من تواجد الجميع هُنا، استقرت حدقتا عينيه على راين و من معه فأكمل

العجوز : أظن أن لدينا حديث يجب خوضه... عن العالم، و أتلانتس.

تبادل السبعة النظرات بين بعضهم بعضًأ.

فأردف العجوز كلامه : يُحكى أنهُ في قديمِ الزمان... كان العالم واحدًا، مُتصل ببعضه و في الوقت ذاته متفكك تمامًا، عالمٌ حيث عاشت أجناس عدة جنبًا إلى جنبٍ مع البشر.. لكن و في أحد الأيام، كارثة عظيمة اقتربت من ذلك العالم، و بطل بقوة جبارة قد ظهر، لأجل قمع الكارثة، وانقاذ ذلك العالم، قام ذاك الشخص النبيل بفصل العالم إلى ثلاثة أبعاد دون وضع أي إعتبار لحياته التي أزهقها في هذا السبيل، أحد تلك الأبعاد الثلاثة هو بعد البشر، من حيث جئتم أنتم... و البعد الثاني هو بعد من الظلام الدامس، بعد مصاصي الدماء... أما البعد الثلاث فهو البعد الذي يشكل قطعةً من العالم القديم، البعد المحايد، حيث نحن الآن.. لِذا إن أردنا أن نكون دقيقين في الكلام، أنتم لم تأتوا من الجانبِ الآخر من العالم إنما من بعدٍ آخر تمامًا.

سيطرت الدهشة على تعابيرِ الجميع الذين ينظرون نحو العجوز بأعين متسعة، عدا راين الذي تابع التحديق به بنظراتٍ هادئة تبرق شرارًا كان علامة على الشوقِ لسماعِ المزيد

أسندت روبي كوعها إلى الطاولة و جبينها بإصبعيها الأوسط و الإبهام بعد أن أحنت رأسها إلى الأسفل قليلًا فقالت بهدوء

روبي : مـ مهلًا.. دعني أستوعب فقط... نحن عبرنا إلى عالمٍ آخر الآن فقط...

فوافقها هاري بنبرةٍ خافتة و عميقة : حقًا... من كان ليتوقع هذا..

ازدردت بياتريس ريقها لتسأل لوكي دون إشاحتها نظرها عن الرجل العجوز : أكُنتَ تعلمُ ذلك ؟

آثر المعني الصمت على الكلام و اكتفى بهزّ رأسه يمينا و شمالًا كعلامةٍ على النفي

فاستكمل العجوز كلامه : و قصتنا تبدأ قبل ألفي عام و أكثر بقليل... هُناك حيث وُجِدت مملكةٌ شامخة و مهيبة، تلك التي عُرفت بأتلانتس، أمة عاشت فوق جزيرةٍ كبيرة في أقصى بحارِ الشرق، في تلك الحقبة، هَزّت تلك الجزيرة التي صَغُرت كثرة دول العالم البشري بأسره فأصبح الكل يحسب لها ألف حساب، و ما كان السببُ سوى سحرها الذي بقي سرًا عن كل العالم وقتها و مؤكد حتى الآن، سحر الوهم الحقيقي... حاكم محكومتنا كان يملكُ من القوة السحرية عظمة كَفت لصنع جيشٍ كامل، التغطية على جيش كامل، و نسج سراب أسلحة لا وجود لها في عيني العدو، ما يكفي لإغراق كل جندي معادي في وهم على حدى، و لكم حرية تخيل ما يراه من دحرنا لرفاقه و هو يقف وحيدًا على أرض المعركة... أحكم حاكمنا حكمه على الشرق بطوله و عرضه، و أجبر بقية الممالك على الانسياق تحت ظله دونما إرادة حرة، و باقي القصة كما تعرفون...

لم تتزحزح نظراتهم عن العجوز بعد و كأنهم يطالبونه بالإكمال فأكمل : في الواقع، حين زارتنا تلك الساحرة في زمن أسلافي، وحتى عند معرفتهم أنها أضاعت ماءً يجلب الخلود، هُم فقط أعادوه إليها على أنه شيء مهم و يجب أن تعتز به !، و عليه كافأتنا الساحرة و أنعمت علينا بحياةٍ رغيدة بعيدًا عن الكوارث، على أي حال، و بسبب فعلة السحرة و نقلنا إلى هذا البعد الموازي... حدثَ خلل في النظام الذي فرضه البطل من العصور القديمة على العالم الجديد، و مما نراه من هنا، فإن بعد البشر و مصاصي الدماء بدئا يحتكان ببعضهما بعضًا ببطءٍ شديد... و لن أستغرب إن أودى الأمر في النهاية إلى كارثة...

بعد ان أنهى كلامه، قالت الرياح التي لا يسمعها شخص سوى راين : أسمعت ؟، أنتَ لستَ السبب في أي شيء...

أرخى جفنيه ليحدث نفسه ردًا عليها : لا.. جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتقي...

أمست عينا راين فجأة كانما غرق في بحرٍ من الكآبة و دخل عالمه الخاص سلفًا

التفتت بياتريس يمينًا حيث هوَ و أحنت رأسها بطفولية بإتجاه الساعة الرابعة

حدقت به بتعجب و سألت بهدوء : ما الأمر ؟، راين سان..

فوعى المعني لما حوله و نفسه ليرد بهدوء هو الآخر : لا.. لا شيء.. كُنت في محادثة كئيبة مع الرياح

إزداد تعجبها تعجبًا : ماذا ؟، ألم تعد بحاجة إلى تلك الطقوس ؟

ابتسم لها ساخرًا ثم اجاب : و من تظنيني ؟

غير الموضوع فجأة محدثًا أهل القرية : أشكركم على كل ماقدمتوه لنا، سواء ماديًا أو معنويًا !، و الآن اعذرونا، علينا شد الرحال إستعدادًا للمغادرة فقد أثقلنا عليكم بما يكفي !

مر الوقت والسبعةُ يستعدون لمغادرة القرية، و أهلها لم يبخلوا عليهم بالخيام و الملاءات الخفيفة منها و السميكة، و أخيرًا أمست الشمس منتصفة عند الأفق و صُبغت السماء بحمرةٍ امتزجت ببرتقالي ملتهب و أصفر، عند أطراف القرية تجمع كل من كان فيها مودعين بياتريس، راين و من معه.

قال العجوز مشيرًا نحو الغابة : من أجلِ أن تصلوا غايتكم، عليكم بالمرور بالشجرةِ العظيمة أولًا، و هي ستتكفلُ بتقدمكم نحو الأمام، في هذا العالم لا وجود للإتجاهات، لا شرق و لا غرب أو شمالًا أو جنوب، فاليوم ترون الشمس تشرق غربًا و غدًا تشرق جنوبًا، لذا كل ماعليكم به هو السير في خطٍ مستقيم مهما حدث، و بالتأكيد ستبلغون مرادكم.

راين : شكرًا لكَ جدي... إلى اللقاء.

- إرك القرية الملعونة : إنتهى

flores pueblo - قيد التعديلWhere stories live. Discover now