اليومُ الخامس والسبعون

224 36 11
                                    

عزيري لا أحد:

الذكرياتُ لا تنفكُ عن الإنهيالِ عليّ، ولم يَعُد بمقدوري التحكمُ بما أتذكره منذُ ذلك اليوم..
هذا الصباح، استيقظتُ على سريري وجلستُ وأنا أشعرُ برأسي يطوفُ بي.
اليومَ أتتني الذِكرى في وقتٍ مُبكرٍ جدًا.
القلمُ يرتعشُ بين يديّ بينما أكتبُ لك..

- أوبا! عبست ساني وهي تحدقُ بي. إن الطقسَ حارٌ جدًا. اشتري لي بعض المثلجات!

كنتُ أحملُ دبًا محشوًا ضخمًا بين ذراعيّ، وأكمامُ قميصي مرفوعةٌ لمرفقيّ، وكانت الشمسُ تلتهمنا، والعرقُ ينهمرُ من جبهتي.
كان الصيفُ عديمَ الرحمةِ في ذلك المساء، والرياحُ الحارةُ تهبُ وتضربُ بشرتي الرطبة.

- ساني، أوبا مشغول. إنني أحملُ كل شيءٍ بالفعل. لِمَّ لا نجلسُ قليلًا ثم نقرر؟ قلتُ بتنهدٍ غاضب.

كان هناك أفعوانية تحومُ فوق رؤوسنا، ودولابٌ دوارٌ ضخمٌ يدورُ بكسل. وعلى يسارنا، كان هُناك حديقةٌ مائية، والأطفالُ كانوا يركضون في الأرجاء، وكانت أصواتُ بكائهم الحادة تسببُ لي صداعًا فتاكًا.
استدارت عني، فارتفعت تنورتها جراءَ حركتها، كاشفةً لي بشرة ساقيها الناعمتين، ثم سارت بعيدًا عني بخطواتٍ متئدة.

رفعتُ نظري مُحدقًا في الشمسِ الخبيثة عبر نظاراتي الشمسية فيما أنقلُ الدب الكبيرَ لليدِ الأخرى.
لا يُمكنني تذكرُ سبب وجودنا في المنتزه، ولكن رغمَ أن الطقسَ كان حارًا، كنتُ سعيدًا.

وجهتُ نظري للأمامِ مُجددًا، فقط لأجد ساني قد اختفت.
تجولت عينيّ في المنتزه ولكنني لم أجد لها أثرًا.

- ساني؟ أين أنتِ؟! ندهتُ.

كان بإمكاني الشعورُ بقلبي ينبضُ أسرعَ بخوف بدأ ينهشني.

- ساني!

بدأت أقدامي تركض، وبدا وكأنني لم أستطع التركيز في أي شيءٍ عدا من حقيقةِ أنّ ساني ضائعة، ومن المحتملِ أنها تأذت في مكانٍ ما.
لابدَ من أنني بدوتُ رجلًا مخبولًا أمام كُلِّ مَن كانَ في المنتزه.

-  أوبا!
ثمَ سمعتُ صوتها من خلفي فجأةً.

استدرتُ بسرعةٍ فورَ سماعي لصوتها، وأسقطتُ كلَ شيءٍ من بين يديّ، راكضًا إليها.
باقترابي منها، أدركتُ بأنها لم تتأذى، بل في الواقع، رأيتُ ابتسامةً كبيرةً على شفتيها، وشعورُ القلقِ الذي كنتُ أشعرُ به فجأةً استبدلَ بالغضب.

برؤية تغيّرِ تعابيرِ وجهي، بدا وكأنها فهمت أنّ شيئًا ما كان خاطئًا، فقد أرخت يديها إلى جانبيها تاركةً الماء في جعبةِ القنينة التي كانت تمسكها يسيلُ على الأرضِ الإسمنتية.

رسائلٌ إلى لا أحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن