اليومُ السادِس والثمانون.

422 56 12
                                    


عزيزي لا أحد:

حاولتُ دحرَها وعدمَ التفكيرِ بها، فعلتُ كلَّ شيءٍ وأيَ شيءٍ باستطاعتي لعلّني لا أفكرُ بها..

شغلتُ نفسي بإعادة الترتيب..
نقلتُ السرير من الحائط الشرقيّ للغربيّ، ووضعتُ النبتةَ أسفلَ النافذة لتحصل على ضوءٍ أكثر، وجعلتُ الطاولة والكرسي في المنتصف كي يسقط الضوء عليّ من النافذةِ بالأعلى.

أظنُّ أنّه أفضلُ قرار، لأنني عندما أكتبُ إليكَ في الليل، سيكونُ بإمكاني رؤيةُ النجومِ من فوقي، وسيصنعُ ضوءُ القمرِ الناعم وهجًا على الورقة.
يشعرِنُي ذلكَ بأنّ كلماتي تُرسلُ إلى مكانٍ ما، وأنّ أحدًا في ذلك المكانِ سيقرؤها وسيهتمُ بحكايتي.

إعادةُ الترتيب المختلفةِ تجعلني أصدقُ أنّ الأفكارَ السيئةَ وكُلَّ ذكرياتِ الماضي أُزيحت وذهبت في اللحظةِ التي كنستُ فيها الغبار ورميتُ به.

أطلتُ في زياراتي، كمحاولةٍ يتيمةٍ أخرى بإلهاءِ نفسي عن التفكيرِ..
عندما ينتهي اتصالي مع ساني، أبقى في غرفةِ سوك جين كي أتحدثَ معه. ولكن مع مُضيّ الزيارات، بدا لي سوك جين يزدادُ تعبًا كلَّ مَرة.

في يومٍ ما، بعد الجلوسِ في غرفته من الظهيرةِ إلى الليل، تضايقَ مني وقال لي: تايهيونغ، على الأغلبِ إنه وقتُ عودتكَ لغرفتك.

- لِمَّ؟! ألا يمكننا التحدثُ أكثر؟ أيمكنكَ إخباري بقصةٍ أخرى؟! قلتُ له.

حدق بي لوقتٍ طويلٍ ثم أردف بامتعاض: تايهيونغ، لقد تأخر الوقت.. حقًا..

- لا أريدُ قصة. لماذا لا يمكنني النومُ هنا؟ معك؟

في تلك اللحظةِ تمامًا تغيرت تعابيرُ وجهِه. لم أتمكن من قراءتها ولكنها كانت باردةً وصارمة.

- تايهيونغ، أنا متعب.. فلتذهب لغرفتك.

عندها، علمتُ بأن فائدةً لا تُرجى منه، لذلك عدت لغرفتي.
جلستُ على سريري في الظلمةِ وبدأت الأفكارُ تحطمُ الجدران التي كنتُ أحاولُ بناءها، لذلك جلستُ إلى طاولتي.
ربما كان ذلك بسببِ ضوء القمر، ولكن الظلمةَ تبددت من حولي ورحلت أفكاري.

أخذتُ قلمًا وورقة، وبدأتُ أكتب.
كتبتُ عن أي شيءٍ تسلل في رأسي عن يومي وكيفَ قضيته، وبعدها أخذتُ أرسم، فأنا أتذكرُ بأن سوجونغ قالَ لي بأن الرسمَ كالدواء، لذلك رسمتُ دوائرًا، مثلَه.

استخدمتُ ألوانًا مختلفة، وجعلتُ أحجامَ دوائري متمايزة.
جعلتُ الزرقاءَ تمثلُ الأوقات التي أشعرُ فيها بالسعادة، والخضراءَ تمثلُ شعوري بالحزن، البرتقاليةَ تمثلُ مشاعري لسوك جين، والحمراءَ تُمثلُ ساني.

استمرت الدوائر بالإزهارَ في الورقة، وبدونِ وعيٍّ مني، تكاثرت الدوائرُ الحمراءُ أكثرَ فأكثر.
كانَ الأمرُ لا بأسَ به في بادئ الأمر، ولكن بعدها عندما أصبحت ورقتي حمراءَ بأكملها، داهمتني الأفكارُ مُجددًا.

لم ألاحظ في بادئ الأمر، ولكن بعدها أصبحت الدوائرُ متعرجة، والقلمُ بين يديّ كادَ يتحطمُ نسبةً لضغطي عليه بقوةٍ، وبدأ اللونُ يسيلُ على الورقة.
فتحتُ كفيّ وبدأت أمسحُ ما بها من سائلٍ على الورقة حتى اختلطَ كُلٌُ شيءٍ وأصبح لونه أحمرًا بنيًّا.

كُلُّ شيءٍ على الطاولةِ اتسخ، وظهرَ وجه الطفلِ أمام عينيّ فجأةً، فأبعدتُ الورقة عني، رفعتُ ساقيّ على الكرسي وجلستُ هناك مقرفصًا أعانقُها بذراعيّ.

كلُّ شيءٍ صامتٌ يا عزيزي
لا أسمعُ إلا صوتَ أنفاسي.

ماذا أفعل؟
حاولتُ فعلَ كلَّ شيء، ولكن الأفكارَ ترفضُ تركي وشأني..
ما عدتُ قادرًا على تذكرِ الأحلامِ بعد الآن.
كُلُّ ما أراه هو الكوابيس.

لا أريدُ أنّ أنام.

الصداعُ الذي كنتُ أعاني منه عاد، وأصبحتُ أنتظرُ باحتضارٍ حتى يصلَ دواءُ منتصف الليل فابتلعه وأعودُ منكفئًا على نفسي في مقعدي.

لا يمكنني أنّ أنام..

***

لكلِّ مَن يقرأُ الآن، لهذا الذي يعطي وقتًا كي يصوِّت، ويعلِق، ويرجح الرواية لأي قارئ يسأله عن روايةٍ جميلة..
نعم أنت! أنت مَن تقرأ ثرثرتي القصيرة هذه الآن!
شكرًا لك..

رسائلٌ إلى لا أحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن