اليومُ المائة والثاني والخمسين

108 28 19
                                    

عزيزي لا أحد:

مضت فترةٌ لا أقوى على حِسبتِها منذُ أنّ خرجتُ للخارج. ولكن اليوم سُمِحَ لي بذلك..
يبدو لي وكأن أزلًا طويًلا مضى منذُ أنّ فتحتُ عينيّ لأولِ مرةٍ في هذه الغرفة.

راحت الأيامُ التي كنتُ فيها أرتدي الأقنعة..
وراحَت الأيامُ التي كنتُ أتأملُ فيها الأشياءَ الصغيرة..

أيًا يكن مَن قال بأن المعرفة هبةٌ..
فهو لا يعلمُ حقًا معنى أنّ تعرفَ الكثير.. وأنّ تتذكر الكثير..

في هذه الأيام، أتمنى لو أنني أبدًا لم أحاول.
ربما كان كلُّ شيءٍ سيكونُ أفضل لو أنني بقيتُ فقط مستلقيًا على السرير.
الحياةُ آنذاكٍ كانت أبسط.. أسعد.

لم يُسمح لي بالابتعادِ كثيرًا، ولكن لا بأس بذلك.
الحديقةُ المستطيليةُ الصغيرةُ التي سُمح لي بالتجولِ فيها كانت مُرضيةً كثيرًا بالنسبةِ لي.

كان هناك صفوفٌ من الورودِ على جوانبِ الطريق، وفي المنتصفِ ممشى طويل.
مشيتُه كلَّه اليوم، وكان ما قادني إليه في النهايةِ هو سياجٌ حديديّ طويل.
إنه سياجٌ عالٍ كثيرًا يا عزيزي.. يعلو ويعلو في السماء.
أظنه ينتهي في مكانٍ ما، ولكن لا يمكنني الإخبارُ أين؛ لأنني كلما رفعتُ رأسي، تحدقُ الشمسُ بي، وأشعرُ بأنني أعمى للحظاتٍ قصيرة.

لا يوجدُ الكثيرُ لفعله هناك...
هناك ساحةٌ للعبِ كرةِ السلة، ومقاعدٌ خشبيةٌ تجلسُ عليها.
معظمُ الأرضِ كُسيت بعشبٍ صناعي، يمكنني الجزمُ بذلك لأنه شديدُ الإخضرار، أما الأجزاءُ الأخرى مغطاةٌ بالرمال. ذكرني ذلك الشيءُ الناعمُ بالشاطئ.

لا توجدُ أي أشجارٍ في المكان..
أفترضُ بأنهم لا يريدون أشجارًا حتى لا تتسلقها أيُّ حيواناتٍ وتدخلَ إلى هنا.
لا يوجدُ الكثير، ولكنه أفضلُ من التحديقِ في النافذةِ العلويّةِ طوال اليوم.

إنه الصيف...
أعرفُ ذلك لأنني استطيعُ الشعورَ بالشمسِ الحارةِ تلسعني فيما أرتدي القميصَ الأزرقَ الفاتح الموّحدِ لنا جميعًا.

آوه صحيح، لستُ وحدي عندما أكونُ بالخارج.
أتساءلُ إنّ كان جاري الذي اعتاد أنّ يزلزلَ الحائطَ الغربيّ صراخًا هنا معي..
لم يعد يهتزُ منذُ وقتٍ طويل..
لا أعلمُ إن كان هو، ولكنني قابلتُ شخصًا ما اليوم.

إنه شخصٌ حقيقي.. ليسَ وهمًا..
في بادئ الأمر، لم أرغب بتصديقِ ذلك، لأنني في آخرِ مرةٍ قابلتُ فيها أحدًا، انتهى به الأمرُ تلفيقًا من عقلي.
ولكن هذا الرجل ليس كذلك.
إنه حقيقي.. أعرفُ ذلك.

تقابلنا عندما كنتُ جالسًا على المقعد، أخدشُ الرملَ بعصا صغيرة.

كيم سون آه.

رسائلٌ إلى لا أحد.Where stories live. Discover now