اليومُ المائة والسابع والستين

101 26 21
                                    


عزيزي لا أحد:

حظيتُ بمحادثةٍ أخرى مثيرةٍ للإهتمام مع سيد؟ اليوم.

لهو أمرٌ غريب، ولكن الآن فيما أتحدثُ معه أكثر فأكثر، توقفت الأشياء الأخرى عن مراودتي.
لم يراودني حلمٌ منذُ وقتٍ طويل.. ولم أتذكر شيئًا أيضًا.
لم تراودني كوابيس..
لم تراودني الومضات.
تبدو الحياةُ لي وكأنها عادت طبيعيةً مُجددًا.

- مرحبًا سيد كيم. رحبَ بي سيد؟ كالعادة.

- أهلًا بك.

يحييني دائمًا باسمي، ولكنني لا زلتُ أحاولُ اكتشافَ خاصته.
لن يكون من الملائمِ نعته بالسيد؟ كما أفعلُ حينما أشيرُ إليه هنا.

- سمعتُ شيئًا مثيرًا للإهتمامِ في الخارج بالأمس.

عضضتُ على شفتي متسائلًا.

- وماذا سمعت؟

- سمعتُ بأننا أشخاصٌ سيؤون، سيد كيم. هذا ما ينعتوننا به هنا، أنا وأنت. أشخاصٌ سيؤون..

لم تعجبني الكلمة.
سيؤون..

- ولكن ذلك ليسَ صحيحًا، أليسَ كذلك؟

رفعَ كتفًا، وبقي الآخرُ ثابتًا كنصفِ وجهِه.

- ماذا تظن؟

فكرتُ قليلًا..
على الرغمِ من أنني لا أعرفُ الكثير عن سيد؟، إلا أنني لن أقولَ بأنه طالحٌ أبدًا!

في الواقع، إنه ذكيٌ جدًا، ولديه الكثيرُ من المعرفة.
دائمًا ما يرحبُ بي ويقولُ لي أشياءً ليحميني ويوجهني بها.
كلا، سيد؟ ليسَ شخصًا سيئًا بتاتًا.

كلُ هذه العلامات تجعله شخصًا صالحًا، وكذلك قلتُ له.

- حسنًا... شكرًا لك. ابتسمَ سيد؟ لم أحظى بشخصٍ يقولُ لي شيئًا كهذا لي.. مطلقًا.

- ألم يسبق أن قالَ لكَ أحدهم أنكَ شخصٌ جيدٌ وصالحٌ أبدًا؟

- كلا. ولكن، أظنُ بأن الأمر يعتمدُ على تعريفكَ للصالحِ وتعريفكَ للطالح.

- تعريفي؟ ألا يملكُ الناسُ بأكملهم نفسَ التعريف؟ أن تكونَ صالحًا يعني بأنّ تكون طيّبًا، أنّ تكونَ مهتمًا بالآخرين، وألا تكن أنانيًّا، فتضعُ حاجاتَ الناسَ قبلَ حاجتِك.
أنّ تكونَ طالحًا يعني العكس. يعني ذلكَ بأنّ تؤذي أحدهم، أنّ تثيرَ في مشاعرِ أحدِهم الألم.

جفلتُ هلعًا بعد خروجِ كلماتي.
لقد أذيتُ أحدهم، بل وآلمتُ أحدَهم أيضًا..
فماذا أكون؟

- هذا من منظوركَ أنت. ماذا لو أنّ هذا الرجلَ الطالحَ أذى أحدَهم لأنه كان يشعرُ بأنّ فعلَه لذلكَ مُبرَر؟ هذا الرجلُ الطالحُ أرادَ أنّ يؤذي شخصًا آخرًا ويؤلمَه لأنّ ذلكَ هو ما شعرَ به بنفسِه، لأنه تألم..
كلُّ ما أرادَه هو أنّ يلقنَ الشخصَ الآخرَ درسًا عن كيفَ هو شعورُ أنّ تُجرَح، على أملِ أنه حينَ يعَلمُه ذلك، لن يؤذي ذلكَ الشخصُ الآخرُ أحدًا آخرًا مُجددًا قطّ.
في أعينِ ذلك الرجل، إنه يقومُ بشيءٍ صالح، وقد وضعَ حاجاتِ الآخرينَ قبلَ حاجتِه.
ليس أنانيًّا، فقد توجبَ عليه أنّ يعاني أولًا من شعورِ الألمِ كي يلقنه للشخصِ الآخرِ بعدها.
أهذا الرجلُ طالحٌ إذًا؟ أم هو صالح؟

وجدتُ نفسي عاجزًا عن إجابةِ سؤاله مرةً أخرى.

- أسمعتَ قبلًا عن ستيف تايلور؟ قال مرةً أنّ سلاسةَ الطيّبة تُدركُ أيضًا في قانونِ العدالةِ المداويّة.
عندما يلقنُ الإنسانُ شخصًا آخرَ درسًا، تكونُ هذه هي العدالةُ المداوية. عندما يلقنُه درسًا كيفَ يكونُ شعورُ أن تكونَ سيئًا، يتعلمان معًا كيف يصبحا صالحان.
يرممان نفسيهما، ويحصلُ الرجل المظلومُ على الإنصاف. ربما نوى الرجلُ المظلومُ أنّ يؤذي الشخص الآخر، ولكن ذلكَ بأكمله كانَ فقط لأجل العدالة، لأجلِ الخير لنفسِه.

هناك كلماتٌ كثيرةٌ يا عزيزي، ولا أستطيعُ فهمها كلَّها.
حتى الآنَ وأنا أكتبُ إليك، لا زالت تروسُ عقلي تدورُ وتدورُ لعلّها تدركُ مفهومَ ما قيل.
ما الذي يعنيه أن تكونَ صالحًا إذًا؟
إن كان كلُّ شيءٍ صالحًا في أعينِ من يقومُ بالشيء؟

- أخبرتني بأنني لستُ شخصًا سيئًا، سيد كيم. ماذا عن نفسك؟ أأنتَ صالحٌ أم لا؟

ما عدتُ أعرفُ بعدَ الآن..

****

أولًا، ستيف تايلور هو كاتب، محاضر جامعي، وعالم نفس، وقد نشرَ العديد من الكتبِ فيما يتعلقُ بعلمِ النفسِ والقيمِ الروحية، وكان ما رأيتُهم سابقًا اقتباس من كتابِه الأخير العودةَ إلى العقلانية: شفاءُ جنونِ عقولِنا.

قانونُ العدالةِ المداويّة هو فكرةُ أن يضعوا اتصالًا ما بين شخصٍ تأذى بأي شكلٍ من الأشكالِ في جريمةٍ ما، مع الشخصِ المسؤولِ عن الأذى فيها، على أملِ أنه حين يتصلان مع بعضهما قد يرقعُ المخطئُ ما اقترفه من أذى، ويسري في طريقٍ ايجابي جديد، ويحصلُ المتأذي على رضا من نوعٍ ما.
دواءٌ للطرفين..
ولكن، كما ترون، سيد؟ فسرَه بطريقته الخاصة..

رسائلٌ إلى لا أحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن