في يومٍ ما

114 30 6
                                    

عزيزي لا أحد:

هذه آخرُ رسالةٍ أكتبُها إليك..
لا أعلمُ إنّ كانت الأخيرة لفترةٍ قصيرة أو الأخيرةَ للأبد، ولكنَ كُلَّ ما أعرفه أنّها الأخيرةُ في الوقتِ الراهن.

كانت هذه الأشهرُ الفائتةُ.. جنونية.
إن الحياةَ حقًا مليئةٌ بالمفاجآت..
لذلك حدثت الكثيرُ من الأشياء، وهذه الرسائلُ كانت وسيلتي لأستجيبَ للأشياءِ تلكَ بعد يومٍ طويلٍ مرهِق.
لا أعلمُ ما الذي كنتُ سأفعلُه لو لم أكتب إليك.

يمكنني الشعورُ به ينخرُ في عظامي.. هذا الإرهاقُ والتعب.
عندما أستلقي على السرير، أشعرُ بنفسي أنغمسُ في الوسائد، وبعضلاتي تتوقف عن أي نوعٍ من الحركة.
لم تعد هناك أي طاقةٍ متبقيةٍ فيّ.
هناكَ طاقةٌ شحيحةٌ جدًا، لحدِ أنني أتعجبُ أحيانًا أنّي لا زلتُ أتنفس.

هذا هو الإرهاقُ الذي أشعرُ به.
أغلقُ عينيّ وأنا لا أرغبُ بفتحها مطلقًا يا عزيزي..

( حبُّ المعرفةِ نوعٌ من أنواعِ الجنون )
- سي. إس. لويس.

منذُ البدايةِ، أردتُ دائمًا أنّ أعرفَ مَن أنا.
كنتُ فضوليًا كثيرًا، وتقتلني الرغبةُ باكتشافِ الحقيقةِ ومعرفةِ كيف لشخصٍ بماضٍ رائعٍ أنّ يصبحَ فجأةً شخصًا مثلي.
أردتُ إكتشاف كلَّ شيءٍ بقدرِ إستطاعتي.. أردتُ تذكرَ كلَّ شيءٍ نسيتُه.

أعلمُ أنني محبوب، وأعلمُ بمن يحبُّه قلبي، وأعلمُ من هو الشخص الذي أريدُه بجانبي.
ولكنَ العالمَ ليسَ أسودًا وأبيضًا ببساطةٍ هكذا.. بل رُبما الرماديةُ هي التي تطغى على كلِّ شيءٍ آخر.
ولكن عندما يأتي الأمرُ للحُبّ.. فأنا أعلم.

على أي حال، كلما تذكرتُ أكثر، كلما أردتُ أنّ أنسى، ومعَ ذلك حينَ أنسى، أتوقُ للتذكرِ مُجددًا
هذا هو نوعُ الجنونِ الذي كنتُ أقاسيه.
وها أنا أحملُ الآن رزمةَ رسائلٍ سميكةٍ إليكَ بين يديّ.

مؤخرًا، بدأتُ أقرأ.
اسمُ الكتابِ هو " أميرُ التروس. "
إنه نوعٌ عاديٌ من القراءة، حيثُ أتصفحُ فيه الفقراتِ لأحصلَ على جوهرِ المقصود. نوعُ القراءةِ الذي يشردُ فيه الشخص ليتساءلَ عن بعضِ الأشياء، ثم يعودُ للأوراقِ مُجددًا.
ولكنَ نصًا معينًا علِقَ في ذهني.

" الأكاذيبُ والأسرارُ يا تيسا.. إنّها كالسرطانِ في الروح. تلتهمُ كلَّ ما هو جيدٌ فيها، وتتركُ خلفها الحُطام. "

إنه لأمرٌ مضحكٌ كثيرًا، كيفَ لشخصٍ لا يعرفُ شيئًا عن نفسِه أنّ يكتمَ بداخلِه كلَّ هذه الأسرارَ والأكاذيب.
أطبيعةُ البشرِ هي الخداع؟
أنّ يصونوا كلَّ ما يملكون، وإنّ كان ذلك على حسابِ جرحِ من يحبون من حولِهم؟

رسائلٌ إلى لا أحد.Where stories live. Discover now