اليومُ المائة والثلاثون

114 30 23
                                    


عزيزي لا أحد:

الحياةُ حقًا كالدولابِ الدوّار..
على مدى الأسابيعِ القليلةِ السابقة، تدحرجتُ من كوني غارقًا في أفكارٍ مظلمة، إلى نعيمِ نسيانِ الأشياءَ، وعودةً إلى الكآبة عندما اكتشفتُ أنَّ صديقي العزيزي خدعني، والآن إلى القمةِ عندما عرفتُ بأنّ امرأةَ أحلامي تبادلني الحُبّ.

ربما هذا هو الشعورُ عندما تكونُ في السماءِ التاسِعَة..
الجِنان.. الفِردوس.. الوطن..
حتى المشاعرُ المرتبكةُ مع سوك جين لم تكن قادرةً على إحباطِ سعادتي.

تنططتُ على السلالم نحو غرفته، أربعةُ سلالم، ونحو الغرفة 1230.
أحضرتُ معي اليوم كلَّ عُدةِ كتابتي معي كي أكتبَ ردًا لساني في وقتِ الزيارة.
أردتُ إخبارها بكلِّ شيء.. بأنني تذكرتُها، وبأنني لا زلتُ أحبُّها، أو إن أعدتُ صياغة الأمر: وقعتُ في حبِّها من جديد.

انعطفتُ واصلًا للمكانِ المنشود، ورأيتُ نورًا ينبثقُ من بابِ سوك جين. لم أفهم في بادئِ الأمرِ لِمَّ كان هناك نور يتسربُ من شقٍ صغيرٍ نَتجَ عن عدمِ إغلاقِ الباب، لأنه دائمًا ما كان مغلقًا وموصدًا حتى أطرقُه فيَفتحُ لي.

بفضولٍ، أوقفتُ خطواتي السعيدة، واقتربتُ من الباب، وعندما اختلستُ النظر للداخل رأيتُ شخصيّن.
الأولُ كان سوك جين بدونِ أدنى شكٍ، وقد كانَت له نظرةٌ قلقةٌ وهو يحدقُ في الشخصِ الآخر. يداه متراخيتان على فخذيّه، ولكن أمكنني رؤيةُ يدِه اليُسرى ترتعشُ وكأنه يريدُ أنّ يمسكَ بالشخصِ الذي أمامه.

الشخصُ الآخر كان شخصًا لا أعرفه.
كانت امرأةً لها شعرٌ بنيٌ قصيرٌ مقصوص، وبالكادِ يصلُ لرقبتها. كان شعرها مموجًا، وخصلاتها حجبت وجهها فلم أستطع رؤيةَ أي ملامحٍ من وجهها.

ما استبينته في البداية كانَ أنها امرأةٌ طويلة، ربما أقصر من سوك جين ببوصةٍ أو اثنتين، ترتدي بنطالًا وقميصًا أبيضًا شفافًا، فمن موقعِ مراقبتي السريّ، كان بإمكاني التقاطُ الورودُ المطبوعةِ على الحمالةِ التي كانت ترتديها أسفلَه. وأخيرًا، كانت تضعُ كفيها على وجهها، وجسدُها دانٍ قليلًا.

- أرجوكِ لا تبكي..

كان صوتُ سوك جين ليّنًا وحَليمًا عندما تحدث، ولم يكن قد سبقَ لي أنّ سمعتُ تلكَ النبرةَ منه قبلًا قط، وللحظة سريعة.. ذكرتني نبرته تلك بصوتي الخجول كلما حادثتُ ساني.

- لا يسعُني تحملُ رؤيتُكِ مستاءةً هكذا..

هزت المرأةُ أمامه رأسها، وفرت شهقةُ بكاءٍ من فمها.
قالت شيئًا، ولكنني لم أستطع سماعَه بسببِ بكائِها، إنما كانت الكلمةُ الوحيدةُ التي سمعتها هي " لماذا؟ "

أخيرًا، مدَ سوك جين ذراعيه وجلبها إليه في عناقٍ حنون، أمسكَ بها جيدًا وألصقها بجسدِه، وهي فورًا أحاطت بذراعيها حوله.
وضعَ شفتيه على رأسها، وأخذَ يهمسُ بشيءٍ لم أستطع سماعه لأنني كنتُ بعيدًا كثيرًا..
كان بإمكاني رؤيتها تتشبثُ به بقوة، وتدفنُ وجهها في قميصِه.
قررتُ لحظتها بأنه وقتٌ سيءٌ سأقاطعُ فيه لحظةً حميميةً كتلك، لذلك بدأتُ بالتراجعِ إلى الوراء، ولكن المشهد التالي جعلني أقفُ في مكاني مشلولًا.

رفعت المرأةُ رأسها، وهكذا فجأة، قابلت شفتا سوك جين شفتيها.
كانت قبلةً متمهلة.. وّجِلة.. قبلةً تشابكت فيها أناملهما.
الشعرُ الذي كان يغطي وجهها ارتدَ للخلفِ عندما أمالت برأسها وهي تحاولُ مجاراة طولِ سوك جين، فأتيحَ لي أخيرًا رؤيةُ منحنيات أنفٍ وفكٍ مألوفة، وسقطت أعيني على أناملها فوجدتها نحيفةً رشيقة.
كان بإمكاني شمُ رائحةِ فراولةٍ تنبعثُ من الغرفة..

أجبرتُ نفسي على التشبثِ بحقيبتي جيدًا، خوفًا من أنّ القوى التي خارت في تلك اللحظة ستجعلني أُسقِطُ كلَّ ما بيديّ.
ركضتُ عائدًا لغرفتي، بدونِ نظرةٍ ثانيةٍ للذي كان يحدثُ ورائي، وفيما أركضُ كنتُ أكررُ لنفسي..

هذه ليست الأنفَ عينَها..
وليسَ الفكَ عينَه..
هذه الأناملُ ليست نفس الأنامل..
وتلك الرائحةُ ليست رائحةَ الفراولة..
هذه المرأة.. ليست ساني.

إنّ الحياةَ كالدولابِ الدوّارِ يا عزيزي.. ودولابي للتوِ فقط..
سقط.

****

رسائلٌ إلى لا أحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن