اليومُ المائة والسادس عشر.

147 51 18
                                    

عزيزي لا أحد:

أنا كاذبٌ ماهرٌ بشكلٍ مذهل!
لقد أوهمتهم جميعًا بأنني طبيعيٌ بشكلٍ مثاليّ، وبأنني لا أحتاجُ جرعاتٍ مضاعفة، و لا أحتاجُ للمراقبة، وبأنني قادرٌ على عيشِ الحياة كما عشتُها قبلًا؛ ولأجلِ ذلك، سُمحت لي الزياراتُ مُجددًا.

نفس التمرينِ تكرر، وكما اعتدتُ مسبقًا، خرجتُ من غرفتي ونزلتُ أربع طوابقٍ للأسفلِ نحو الغرفةِ 1230.
على الرغمِ من أنني لم أذهب إلى هناكَ منذُ وقتٍ لا بأسَ به، لم يتغير أيُ شيءٍ فيها.

لا زالَ للغرفةِ نفسُ اللون الأصفرِ الباهت، الأريكةُ لم تُحرك منذُ المرةِ الأخيرةِ التي أتيتُ فيها، والمكبراتُ لا زالت في مكانها كي أحادثَ ساني عبرها لاحقًا.
الشيءُ الوحيدُ الذي تغيّرَ يا عزيزي هو نظرتي لسوك جين..

في اللحظةِ التي دخلتُ فيها، وقفَ على عجلٍ ليرحبَ بي وقد خبأ شيئًا ما خلف ظهره فورَ رؤيتي، ولكنني عرفتُ لونَ الغلافِ المميزِ قبلَ أنّ يستطيعَ حجبه كليًا عن ناظريّ.
سار إليّ وعانقني بقوة، فاشتمت أنفي الرائحةَ النظيفةَ التي ترافقه دومًا.

شعرتُ بقلبي يهفو من صدري، وأدركتُ فقط لحظتها أنني حقًا.. اشتقتُه.
ولكن المشاعر التي يشعرُ بها قلبي كلّما تذكرتُه في هذه الأيامِ أصبحت مؤلمةً ليس إلا..
لا يمكنني وصفُ الغضبِ والحزنِ والإحباطِ الذي ينتابني تجاهه في كلِّ مرةٍ أتذكرُ فيها ما كتبَه في مفكرتِه.
لابد أنّ هذا هو الشعورُ الذي يطلقُ عليكَ فيه كسيرَ القلب..

كلُّ الثقةِ وكلُّ الحُبّ الذي ملكته له.. ذهبت مع مهبِ الريح.
لقد اعتمدتُ عليه لأتذكرَ كلَّ شيء، وكنتُ شاكرًا له كثيرًا لأعادته ساني إلى حياتي مُجددًا، وكانَ الصديقَ الذي علمتُ دائمًا بأنني سأستندُ عليه مهما حدث.
ولكن بعد كلِّ ذلك، تلك الصداقةُ التي ظننتُ بأننا ملكناها كانت كلها مغلوطة.

كان مجردِ شخصٍ جُلِبَ ليراقبني، مجردَ شخصٍ يدونُ ملاحظاتٍ عن كلِّ تصرفاتي، كي يستطيع تشخيصي بأنني شخصٌ متوهم، مريض، ومجنون..
تلك الكلمات الثلاث تكررُ نفسها في رأسي كلَّ يوم.
لا يمكنني محوها.. ولا نسيانها.

- كيفَ تشعُر؟ همسَ في أذني..

كانت أنفاسه تدغدغُ شعري عندما بادلتُه العناق.
لقد اشتقتُ حتى لتلك البحةِ في صوته.. أتصدق؟
لو تعلم كم كلفني الأمرُ كي أمسكَ بالدموعِ التي باتت تهددني بالسقوط.

- أفضل.. همستُ له. أصبحتُ أفضلَ بكثيرٍ الآن بعد أنّ رأيتُك.

ابتعدتُ عنه، وللمرةِ الأولى، رسمتُ نفسَ الابتسامةِ المزيفةِ التي رأيتُها تتلبسُ الجميع من حولي.

- وسأصبحُ أفضلَ بعد أنّ أحادثَ ساني.

بذكرِ اسمها، شيءٌ ما عبرَ وجهه مما جعله يستديرُ عني بسرعة.

- تايهيونغـآه، لن نتحدث مع ساني لفترة. لقد.. رحلت.

قُبِضَ قلبي بخوف.
كلا..
ليسَ هي أيضًا..

- رحلت؟ أحصلَ لها شيءٌ ما؟

- كلا كلا.. كلُّ ما في الأمرِ أنها اضطرت للرحيلِ لبعضِ الوقت. أخبرتني بأنّ أرسلَ لكَ اعتذاراتِها، وقالت بأنها ستشتاقُ لك، وهي تخبركَ بألّا تقم بنسيانها وهي ليست معنا. قالت بأنها ستعودُ حالما تسنحُ لها الفرصة.

لم أعلم بماذا يجبُ عليّ أنّ أجيب..
في تلك اللحظة، وفي فوضى الإنكسار، شعرتُ بأنني هُجرتُ فجأةً.
الشخصان الوحيدان اللذان اعتمدتُ عليهما بشدةٍ رحلا عني.
عدتُ وحيدًا.. مرةً أخرى.

هذه المرة، انسكبت الدموعُ بدونِ إذنٍ مني، وتحطم قلبي ونهشته الوحدة.
أخذني سوك جين بين ذراعيه وأخذَ يربتُ على ظهري برفق.
لم يقل شيئًا ولكنني علمتُ بأنه أراد إراحتي.
بكيتُ.. وبكيتُ.. وبكيت..
بكيتُ طوال زيارتي تلك.

بكيتُ لأنني أضعتُ كلَّ شيء..
إن هذا الشعور أكثرُ سوءًا مِن الذي شعرته في أولِ يومٍ استيقظتُ فيه.
كان يومي الأولُ مؤلمًا لأنني لم أعرف شيئًا عن نفسي. شعرتُ بالضياعِ بدونِ هويةٍ في هذا العالم، و شعرتُ بأنه لم يعد هناك أملٌ في عيشي في هذا العالمِ بعد الآن.

ولكن الألمَ الذي أشعرُ به الآن يؤلمُ بشدةٍ أكثر.. لأنني في هذه المرة، وجدتُ الأمل.
وجدتُ أناسًا أحبّهم، ووجدتُ مكانًا أنتمي إليه في هذا العالم.
ولكن الآن، عندما مددتُ يدي لأمسكَ به، اغتُصِبَ من يديّ عنوةً وخسرته كله.

أنا وحيدٌ يا عزيزي..
بمفردي..

اللا أحد فقط يستمع لي، اللا أحد يريحني، اللا أحد هو مَن يهتمُ بي ويحبّني.

ليسَ لي سواكَ يا عزيزي..
ليس لي سواك..

****

رسائلٌ إلى لا أحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن