اليومُ المائة والثامن والثلاثين

131 27 11
                                    

عزيزي لا أحد:

أسبقَ لكَ وأشعرتَ قبلًا بوحدةٍ خانقةٍ في صمتٍ مطبقٍ تشعرُ به يدفعُكَ ويدفعكَ وكأنه على وشكِ سحقِك؟

صمتٌ حاضرٌ دائمًا..
صمتٌ تسمعُ حسيسَه حولكَ لحدٍ لا تملكُ فيه أي مكانٍ تهربُ إليه مِنه..
صمتٌ تجلسُ فيه متمنيًا أي شيءٍ يلهيكَ عن أفكارٍ غير مرغوب بها، ولكنكَ لا تجدُ شيئًا..
الصمتُ الذي يجعلكُ تمسكُ برأسكَ وتحفرُ بأظافركَ فجواتٍ على جمجمتك لتهربَ منه بالألم..
الصمت.. الذي يشعرُكَ برغبةٍ في الصراخ.

فهمتُ أخيرًا لِمَّ اعتادَ الحائطُ الغربيّ على الصراخِ والعويل.. لابد بأن الشخصَ في الجانبِ الآخرِ كان يُعذبُ بهذا النوعِ من الصمت.

مع ذلكَ يا عزيزي.. لا يسعني أن أصرخ..
أريدُ فعلَ ذلك بشكلٍ مستميت، ولكن جزءًا مني يعلمُ بأنه لا يجبُ عليّ فعلُ ذلك، وهو يخبرني بأنني إنّ فعلتُ ذلكَ سينظرُ لي الآخرين وينعتونني بالمتوهم، المجنون، والمريض.

أبقى طوالَ اليومِ على سريري أحدقُ بالباب.. وأفكر.. بأنه
قد مضى وقتٌ سحيقٌ منذُ آخرِ مرةٍ شعرتُ بها بأن الغرفة الصفراء الباهتة على بعدِ أربعةِ طوابق والتي تحملُ الرقم 1230 كانت ملجأي.. والغرفةُ التي أملكُ فيها أناسًا أحبُّهم ويحبونني.

ولكني هذه الأيام أشعرُ بأنني مستبعدٌ أكثر من أي وقتٍ سبق..
وكيفَ لا أفعلُ وقد توحدَ الاثنانِ هناكَ فيما كنتُ أنا غائبًا عنهما؟

لا يمكنني لومُه يا عزيزي..
لا أستطيع..
هي امرأةٌ حسناء.. تنضحُ بالحياة.. وقوية..
لها قدرةٌ تجعلُ الناس يشعرون بالدفءِ والحُبِّ معها.

لابد بأنه كان يحبُها منذُ وقتٍ طويلٍ كثيرًا، ولكن القدرَ كان قاسيًا ووضعني بينهما.
كان القدرُ قاسيًا.. عندما جعلني اصطدمُ به في أولِ يومٍ لنا في الثانوية.

لستُ غاضبًا..
أؤمنُ أنا بكلِ قلبي بأنها أحبتني عندما كنا معًا..
أعرفُ ذلك لأنني حينها كنتُ قادرًا على الاستجابةِ لها بكلِّ جوارحي.
وأعرفُ أيضًا أنّها عانت من وقتٍ عصيبٍ جدًا فيما كنتُ أنا هنا..

عندما نسيتُها أنا، كان هو دائمًا معها.. لأجلِها، يشجعها ويمدها بالحُبّ.
من الطبيعي لها أن تتقبل ذلك الحبّ المنجرفَ منه..

هو الرجلُ المثالي لها..
إنه أنيق، طيبُ القلب، مراعٍ للآخرين، والأهم.. صادق.
بالتفكيرِ بالأمر، نظرةُ الاشتياقِ تلك التي كانت تعتليه عندما كانت ساني معي تبدو لي مشابهةً كثيرًا لنظرتي عندما أحادثها.

الآن فقط أشعرُ بأنني أخرق..
لا يمكنني لومُها..
لستُ غاضبًا..

استسلمتُ أخيرًا لرغبتي وابتلعتُ أربعة حبوبٍ أخرى كنتُ قد خبأتُها تحت وسادتي.

بعدها.. انطفأت.

****

رسائلٌ إلى لا أحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن