اليومُ المائة والواحد والستين

108 29 8
                                    

عزيزي لا أحد:

أصبحتُ حريصًا جدًا حيالَ أيّ شخصٍ من حولي، فتلك المعلومةُ التي أدركتها توًا أبقتني على أطرافِ أصابعي.
أتأكدُ من أنّ أشمَّ طعامي قبل أنّ أقضمَه، وأتركُه لوقتٍ قبلَ تناولِه، في حالةِ تواجدِ سُمٍ قد يصبحُ غير فعالٍ مع مرورِ الوقت.
أيُ شيءٍ يُعطى إليّ أصبحتُ أعتبره شيئًا مثيرًا للشكّ.

- سمعتُ بأنكَ صادقتَ أحدهم..

مضت فترةٌ منذُ أنّ سمعتُ هذا الصوت.
كان صوتها يؤلمُ قلبي كثيرًا في الماضي، لشدةِ نبضِه وخفقانِه، والآنَ باتَ قلبي يصدرُ ضربةً خفيفةً كل ما سمعِه.

- أجل، ساني.

- كيفَ هو؟ أهو طيّب؟

فكرتُ بإخبارها بكلِّ أفكاري عنه، ولكنني ترددتُ بعدها.

- إنه صالح.. يرافقُني عندما لا أستطيعُ التحدثَ معكِ أو مع سوك جين هيونغ.

أعطاني سوك جين ابتسامةً صغيرةً بجانبي، فلاحظتُ فجأةً أن سوك جين لا يقاطعنا أبدًا عندما نتحدثُ أنا وساني، بل فقط يجلسُ بجانبي ويكتبُ في دفترِه الصغير.

- آه.. أسفه، تايهيونغـآه. الأمرُ فقط... أحيانًا يكونُ من الصعبِ عليّ محادثتكَ هكذا.

- لا بأس.. على الأرجحِ أنتِ تعملين أو تقومين بأيّ شيءٍ كلَّ يوم.

- آوه، أنا لا أعملُ الآن. في الواقع، لقد ذهبتُ إلى الملاهي مع سوك جين وصديقةٍ ما بالأمس.

غُرِزَ مسمارُ الغيرةِ فورًا في قلبي، فنظرتُ لسوك جين من طرفِ عيني، وخالَ لي بأنني رأيتُ احمرارًا طفيفًا على وجنتيه.
غُرِزَ المسمارُ أكثر..

- أفعلتم؟ كيف كانت؟

ضَحِكَت.

- لقد استمتعنا كثيرًا! أوبا يخافُ حقًا من الأفعوانية! توجبَ عليّ ركوبُ الدورةِ الأخيرةِ بمفردي.

- هيه! تحدثَ سوك جين أخيرًا من حيثُ يجلس، ولأولِ مرة، لم أكن خائفًا! كلُ ما في الأمرِ أنه كان عليّ أن..

- حسنًا حسنًا حسنًا.. قالت سوني بنبرةٍ لعوبة ولم تدعه يكمل. أعرفُ ما كانَ يجبُ عليكَ فعلُه. لم تكن خائفًا على الإطلاق.

أصبحَ سوك جين أكثرَ إنفعالًا، وأخذ يجلسُ بإستقامةٍ أكثر.

- بجديةٍ وحقّ، لم أكن خائفًا! في المرةِ المقبلة التي سنذهبُ فيها للملاهي سأركبُ معكِ لأثبتَ لكِ!

عبستُ فيما أراقبُ جدالهما الطفوليّ..

- ساني..  قلتُ بصوتٍ عالٍ بعض الشيء.  أي دورةٍ ركبتِها؟

- الأفعوانية الجديدة التي فُتحِت في الشهر الفائت. إنها على إرتفاعِ 90 درجة تقريبًا. فيما كنا نرتفعُ للأعلى على القضبان، ظننتُ بأن قلبي كان ينبضُ مع الدورةِ بأكملها. دو دون دو دون! حمدًا لله بأن يد سوك جين كانت بجانبي كي أمسكَ بها بإحكام عندما أرتفعنا.

- ظننتكِ قلتِ بأنه كان خائفًا كثيرًا ليصعد معكِ؟

ضَحِكَ كلاهما، في الوقتِ نفسه، وحينها فقط أدركت.. أنها كانت دعابةً بينهما الإثنان.

- يمكنني أنّ أكونَ مقنعةً كثيرًا عندما أريدُ ذلك. بجانبِ ذلك، توجبَ على سوك جين أوبا أن يكونَ بمظهرٍ لائقٍ يومها.

- فلتهدأي! مازحها ضاحكًا.

كانت هذه ذكرى تشاركها كلاهما..
الذكرى ما عدتُ جزءًا منها..

أنّى لشخصٍ أنّ ينسى شيئًا غصبًا عن ذاكرتِه يا عزيزي؟
ألن يكونَ شيئًا رائعًا لو كانَ بوسعنا محو بعضِ الأشياءِ من رؤوسِنا كما نمحو أيَّ شيءٍ على الورق؟

ألن يكون رائعًا لو أننا محونا كلَّ شيءٍ لا نريده في ذاكرتِنا كما نمحوه على الورق؟

****

رسائلٌ إلى لا أحد.Where stories live. Discover now