اليومُ المائة والتاسع والستين

104 27 11
                                    

عزيزي لا أحد:

- قد أخرجُ من هنا قريبًا.. أخبرني سيد؟.

كُنا في غرفتي، مُجددًا.

- ما الذي تقصدُه؟ سترحل؟

أشعرُ بالحزن.. بدا لي وكأننا بدأنا للتو نعرفُ بعضنا.

- نوعًا ما. لستُ متأكدًا متى سأقومُ بذلك، ولكن قريبًا. لا يمكنني الإنتظارُ أكثر، أو سأجُن.

- ما الذي تنتظره؟

في كلِ مرةٍ أكونُ فيها معَه، أشعرُ بأنني طفل، وفكرةُ رحيلِه تجعلني أبدو وكأنني طفلٌ لا يريدُ أنّ يرحلَ عَنه والدُه.

مشطَ شعره الأبيض والرمادي بيده.
لم ألاحظ مسبقًا، ولكن السيد؟ يبدو أكبرَ عُمرًا عَن أولِ مرةٍ رأيتُه فيها.

- أتتذكرُ عندما تحدثنا عن تلقين أحدهم درسًا؟ هناك شخصٌ ما طليقٌ في الخارجِ يجبُ أنّ ألقنه درسًا.

- ماذا فعلَ بحقِك؟

قهقه ساخرًا.

- بصراحة، ما فعلتُه أنا لعائلته أكبرُ مما فعلَه لي، ولكنه سببُ كوني هنا، وهو سببُ كلِّ الألمِ الذي مررتُ به هنا..

حدقتُ به، قلقًا.

- إنكَ في ألمٍ جَمٍّ الآن..

دنى إليّ وبعثرَ شعري.

- كنتُ أيها الفتى، ولكن منذُ أنّ قابلتُك، ما عدتُ أحسُ بألمي بتاتًا. بل أشعرُ بأنني بخيرٍ تمامًا!

تعليقه الصغير جعلني ابتسم.
لديّ قدرةُ جعلِ أحدِهم بخير..

- لا أريدُ منكَ أنّ تذهب.. قلتُ له برجاء.

كانت الحقيقة..
ابتسمَ لي.

- ثق بي، أشعرُ بالحزن لذهابي كذلك، ولكن هناكَ أشخاصٌ ينتظرونني بالخارج.

- ماذا لو اكتشفتُ اسمك؟ أسيوقفكَ ذلك عن الرحيل؟ قلتُ متلهفًا.

ضاحكًا، نهضَ من على الكرسي.

- ربما، أيها الفتى. اكتشف اسمي، وسأعيدُ التفكير في رحيلي.

أمسكَ بالطاولةِ ليساعدَ نَفسَه على النهوض، وفيما يفعلُ ذلك، اصطدمت يده بشيءٍ في الزاوية.
سقطَ المنديلُ الصغيرُ الذي كنتُ أخبئ فيه الأدوية عن مخبئه وتناثرت كلُّ الأقراصِ على الأرض.
قفزتُ فورًا لأنظفَ تلك الفوضى.

نسيتُ تمامًا أنّها كانت هناك، ورؤيتها مُجددًا جلبت لي حزنًا كنتُ قد أحبطته لفترة.

جثمَ سيد؟ ليساعدني فالتقط واحدةً زرقاء ولعقها.

- ما هذه يا فتى؟

وكطفلٍ كُشف ويده في وعاءِ الكعك، أجبته بخزي: إنها أدويةُ الصباحِ والظهيرةِ ومنتصفِ الليل. لا أقومُ بأخذها كلِّها لأنها تثقلُ رأسي. ولكنني أحتفظُ بهم إلى وقتٍ لا أستطيعُ فيه التعامل مع الألم. تكفيني همَّ التفكير.

حدقَ في الأقراصِ مليًا.

- أتمانعُ لو أخذتُ بعضها؟ سألَ وأمسكَ بقبضةٍ من الأقراص في كفه.

فكرتُ في الطلب..
لم أستخدمهم منذ وقتٍ طويلٍ في الواقع.
لم أجد حاجةً إليهم بوجودِ سيد؟ بجانبي.
إنّ كان في احتياجٍ إليهم لأجلِ لحظاتِ الجلاءِ من الألم، فسأساعدُه.

أومأتُ له فحشرهم في جيبِ سترته الزرقاء وبعثرَ شعري مُجددًا ثمَّ نهض.

- إنكَ رجلٌ صالحٌ يا فتى. رجلٌ طيّبٌ كثيرًا..

****

رسائلٌ إلى لا أحد.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن